للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشَّيطانَ قالَ لهما: ما نهاكُما ربُّكما عن هذه الشَّجرَةِ إلا أن تكونا مَلِكَيْنِ مِنْ المُلوكِ. أُراهُما تأوَّلا في ذلك قولَ الله ﷿ في موضِعٍ آخَرَ ﴿قَالَ يَاآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى﴾ [طه: ١٢٠]» (١)، وقالَ أيضاً: «فكأنَّ متأَوِّلَ هذا التأويلِ قَصَدَ بتأويلِه هذا إلى معنى قولِ الله تعالى ذِكرُه ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ [البقرة: ١٤٣]» (٢).

خامساً: لم يَقتَصِر مِنْ الأدلَّةِ على نوعٍ دون آخَرَ، كما لم يُكثِر مِنْ الاستدلالِ بدليلٍ مؤثِراً له دون باقي الأدِلَّةِ؛ كما هي عادةُ من توسَّعَ في فَنٍّ مِنْ العلومِ مِنْ أهلِ التَّفسيرِ (٣)، وقد سبقَت الإشارةُ إلى تمَكُّنِ ابنِ جريرٍ (ت: ٣١٠) في كثيرٍ مِنْ العلومِ اللازمةِ للمُفَسِّرِ، وتحقُّقِه فيها (٤)، فظَهَرَ أثرُ ذلك على منهجِه في الاستدلالِ؛ بالتَّنويعِ بين الأدلَّةِ، واختيارِ الدَّليلِ المُناسِبِ في مقامِ الاختيارِ والتَّرجيحِ، والإبطالِ والتَّصحيحِ؛ فيتوسَّعُ في دليلِ اللغةِ مع اللغويّين، وفي دليلِ العقلِ مع المُتكَلِّمين، وفي


(١) جامع البيان ١٠/ ١٠٨.
(٢) جامع البيان ٨/ ٦٠٤. وينظر: ١/ ٣٢٦، ٩/ ٢٨١، ١٣/ ٥٥٩، ١٥/ ٢١٤، ٢٢/ ١٥٩.
(٣) من الواضِحِ في كُتُبِ التَّفسير اصطِباغُها بما بَرَعَ فيه مُؤَلِّفوها مِنْ العلومِ؛ ومِن ثَمَّ يظهَرُ اعتِمادُهم على تلك الفُنونِ في الاستدلالِ على المعاني أكثَرَ مِنْ غيرها مِنْ أنواعِ الأدلَّةِ، فيَظهرُ الاستدلالُ بالآثارِ وأقوالِ السَّلفِ في تفاسيرِ جامعي الآثارِ مِنْ مُتَقَدِّمي المُفَسِّرين؛ كعبدِ الرزَّاق (ت: ٢١١)، وابنِ المُنذِر (ت: ٣١٨)، وفي مثلِ تفسيرِ ابنِ أبي زمنين (ت: ٣٩٩)، وابنِ كثير (ت: ٧٧٤). ويظهرُ الاستدلالُ باللغةِ وفنونِها في مثلِ كتاب (البسيط) للواحديِّ (ت: ٤٦٨)، و (البحر المحيط) لأبي حيَّان (ت: ٧٤٥)، و (التحريرِ والتَّنوير) لابن عاشور (ت: ١٣٩٣). ونحو ذلك في أنواعِ العلومِ وأجناسِها مِنْ الأدلَّةِ.
(٤) في (ص: ٧٦).

<<  <   >  >>