للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أو: الإبانَةُ بالآياتِ القرآنيةِ عن صِحَّةِ المعاني وبطلانِها. وذلك بأن يجعلَ معنى الآيةِ الظّاهرَ الرَّاجحَ دليلاً على صِحَّةِ معنى آيةٍ أخرى أو بُطلانِه.

ويقرُبُ مِنْ دليلِ القرآنِ بهذا المعنى: دليلُ القراءاتِ، والسِّياقِ القرآني، والنَّظائِرِ القرآنيَّةِ؛ إذْ فيها بيانٌ بالقرآنِ عن صوابِ المعاني وخطئِها، ومِن ثَمَّ يُدرِجُها كثيرٌ مِنْ المُفسِّرين ضمنَ (تفسيرِ القرآنِ بالقرآنِ) (١)، وذلك صحيحٌ مِنْ جِهةِ بيانِ المعنى، أمَّا جِهةُ الاستدلالِ بالقرآنِ على تلك المعاني فتستلزِمُ اعتباراتٍ أُخَرَ، تستوجِبُ التَّفريقَ بين هذه الأنواع عند الاستدلالِ بها، فلكُلِّ دليلٍ مِنها منهجُه في التّلقِّي والثُّبوتِ، وضوابطُه في الاستدلالِ، ومنزِلَتُه مِنْ الأدلَّةِ، وترتيبُه مِنها، فمِن ثَمَّ لَزِمَ تمييزُ كلِّ دليلٍ مِنها عن الآخرِ. ففي دليلِ القراءاتِ مثلاً، يصِحُّ الاستدلالُ بالقراءةِ الشَّاذة، ولا مدخلَ لذلك في دليلِ القرآنِ، ودليلُ السِّياقِ مخصوصٌ بما قبلَ الآيةِ وبعدَها، ودليلُ القرآنِ أشملُ مِنْ ذلك، وفي النّظائِرِ تتفاوتُ دلالَةُ النَّظير على النَّظيرِ تفاوتاً كبيراً، مَرَدُّه إلى رأيِ المُفَسِّرِ واجتهادِه، وليس الشأنُ كذلك في دليلِ القرآن على ما سيتبيَّن بإذنِ الله.

وأمثلةُ استدلالِ ابنِ جريرٍ (ت: ٣١٠) بالقرآنِ على المعاني في تفسيره كثيرةٌ ظاهِرةٌ، وهي على نوعين:

النَّوعُ الأوّلُ: استدلالُه بالقرآنِ لقبولِ المعاني وتصحيحِها، ومِن ذلك قولُه عند قولِه تعالى ﴿وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ﴾ [النساء: ١١٩]:


(١) ينظر: أضواء البيان ٩ - ٣٨، وتفسير القرآن بالقرآن (ص: ٣٧).

<<  <   >  >>