للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المقصودِ بتأليفِه أمران: أحدُهما: بيانُ القرآنِ بالقرآنِ، لإجماعِ العُلماءِ على أنَّ أشرَفَ أنواعِ التَّفسير وأجَلَّها: تفسيرُ كتابِ الله بكتابِ الله» (١).

والواقِعُ العمليُّ في كتبِ التَّفسير يطابقُ ذلك الإجماعَ؛ فقد تتابعَ المُفسِّرون على اعتبارِ دليلِ القرآنِ في بيانِ المعاني، وتقديمِه، والاحتجاجِ به، وقد جعلَه ابنُ جُزي (ت: ٧٤١) أوَّلَ موجباتِ الترجيحِ ووجوهِه، فقالَ: «إذا دلَّ موضِعٌ مِنْ القرآنِ على المُرادِ بموضِعٍ آخرَ حملناه عليه، ورجَّحْنا القولَ بذلك على غيرِه مِنْ الأقوالِ» (٢).

٥ - أنَّ الله وصفَ كتابَه بما يقتضي صِحَّةَ الاستدلالِ به على معانيه؛ فقالَ تعالى ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ﴾ [الزُّمَر: ٢٣]، أي: يشبهُ بعضُه بعضاً في المعاني والأحكامِ والأخبارِ، وتُثَنَّى فيه وتُكَرَّر. ووصَفَه بأنَّه تبيانٌ لكُلِّ شيءٍ: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ [النحل: ٨٩]، ومعاني آياتِ القرآنِ أولى ما فيه بالبيانِ. كما دَلَّ قولُه تعالى ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ٣٨]، على اشتِمالِه بيانَ كلّ ما بالنَّاسِ الحاجَةُ إليه مِنْ أحكامِه ومعانيه، قالَ الشَّافعي (ت: ٢٠٤): «فكُلُّ ما أَنزلَ في كتابِه جَلَّ ثناؤُه رحمَةٌ وحُجَّةٌ، عَلِمَه مَنْ عَلِمَه، وجَهِلَه مَنْ جَهِلَه، لا يعلَمُ مَنْ جَهِلَه، ولا يَجهَلُ مَنْ عَلِمَه .. ، ولَيسَت تنزِلُ بأحدٍ مِنْ أهلِ دينِ الله نازِلَةٌ إلا وفي كتابِ الله الدَّليلُ على سبيلِ الهُدى فيها» (٣).


(١) أضواءُ البيان ١/ ٨.
(٢) التسهيل ١/ ٢٠.
(٣) الرِّسالة (ص: ١٩ - ٢٠).

<<  <   >  >>