للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الذين مِنْ قبلِكم مِنْ أهلِ الكتابِ، أيَّاماً معدوداتٍ؛ وهي شهرُ رمضانَ كلُّه. لأنَّ مَنْ بعدَ إبراهيمَ صلواتُ الله عليه كانَ مأموراً باتِّباعِ إبراهيمَ، وذلك أنَّ الله جلَّ ثناؤُه كانَ جَعَلَه للنَّاسِ إماماً، وقد أخبرَنا الله أنَّ دينَه كانَ الحنيفيَّةَ المُسلِمَةَ، وأُمِرَ نبيُّنا محمدٌ مِنْ اتِّباعِه بمثلِ الذي أُمِرَ به مَنْ قَبلَه مِنْ الأنبياءِ» (١)، يُشيرُ بذلك إلى مثلِ قولِه تعالى ﴿قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا﴾ [البقرة: ١٢٤]، وقولِه ﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا﴾ [النحل: ١٢٣].

الثّاني: مراتِبُ دلالَةِ دليلِ القرآنِ على المعاني.

تتفاوتُ دلالَةُ الأدلَّةِ على المعاني في القوّةِ والوضوحِ، وهذا التفاوتُ ظاهرٌ في منهجِ ابنِ جريرٍ (ت: ٣١٠) في الاستدلالِ، فمِن الأدلَّةِ ما يصِفُه ب: (أبينِ الدَّلالةِ-أوضَحِ الدَّلالةِ- أوضَحِ الدَّليلِ- أدَلِّ الدَّليلِ- الدَّلالةِ الواضِحةِ)، ومِنها دونَ ذلك. (٢)

وبالتَّأمُّلِ في المواضِع التي وقع فيها الاستدلالُ بالقرآن على المعاني نجِدُ أنَّ دلالَةَ الآيةِ فيها على المعنى تنقسِمُ إلى قسمين:

القسمُ الأوَّلُ: دلالةُ لفظِ الآيةِ المباشرِ على المعنى؛ وذلك الظّاهرُ المُتبادَرُ مِنها، وهذا أوضَحُ دلالَةً، وأقوى اتِّصالاً؛ لاستغناءِ لفظِ الآيةِ في الدَّليلِ عن الاستدلالِ على معناه، فلا يُحتاجُ فيه إلا إلى الجمعِ بين الدَّليلِ والمعنى محلِّ الاستدلالِ. وعامَّةُ هذا النَّوعِ ممَّا تَتَّحِدُ فيه قِصَّةُ


(١) جامع البيان ٣/ ١٥٥.
(٢) تفصيلُها ضمنَ البابِ الثّالثِ (ص: ٤٩٤). وينظر: جامع البيان ٢/ ٣٣٩، ٣/ ٥٥٦، ٧٣٥، ٧/ ٧٤.

<<  <   >  >>