للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشافعيُّ (ت: ٢٠٤) وجهاً مِنْ ذلك بقولِه: «وإنَّما بدأتُ بما وصفتُ مِنْ أنَّ القرآنَ نزَلَ بلسانِ العربِ دون غيرِه؛ لأنَّه لا يَعلَمُ مِنْ إيضاحِ جُمَلِ الكتابِ أحدٌ جَهِلَ سَعَةَ لسانِ العربِ، وكثرَةَ وجوهِه، وجِماعَ معانيه وتفرُّقَها، ومَن عَلِمَه انتفتْ عنه الشُّبهُ التي دخلَتْ على من جهِلَ لسانَها. فكانَ تنبيهُ العامَّةِ على أنَّ القرآنَ نزلَ بلسانِ العربِ خاصَّةً = نصيحةً للمسلمين، والنَّصيحةُ لهم فرضٌ لا ينبغي تركُه» (١)، وقالَ ابنُ جريرٍ (ت: ٣١٠): «وإذْ كانَت واضِحةً صِحَّةُ ما قُلنا -بما عليه استشهدنا مِنْ الشَّواهِد، ودلَّلْنا عليه مِنْ الدلائِل- فالواجِبُ أن تكونَ معاني كتابِ الله المُنزَّلِ على نبيِّنا محمدٍ لمعاني كلامِ العربِ موافِقَةً، وظاهِرُه لظاهِرِ كلامِها مُلائِماً، وإنْ بايَنَهُ كتابُ الله بالفضيلَةِ التي فَضَلَ بها سائِرَ الكلامِ والبَيانِ، بما تقدَّمَ وصفُناه» (٢).

ثالثاً: دلالَةُ القرآنِ على المعاني مُتفاوتةٌ، فمِن ألفاظِه وتراكيبِه ما يُقطَعُ بإفادتِها للمعنى، ومِنها ما تحتمِلُ إفادتُها، وتعدُّدُ معانيها، وذلك بعضُ معاني الإحكامِ والتَّشابُه الذي وصفَ الله تعالى به كتابَه فقالَ ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾ [آل عمران: ٧]، قالَ ابنُ جريرٍ (ت: ٣١٠) عن المُحكَمِ: «هُنَّ اللواتي أُحكِمنَ بالبيانِ والتَّفصيلِ» (٣)، وقالَ عن المُتشابِه: «ما تشابَهَت ألفاظُه، وتصرَّفَت معانيه بوجوهِ التَّأويلاتِ» (٤)، وقالَ مُبيِّناً عنهُما: «فإذا كانَ


(١) الرسالة (ص: ٥٠).
(٢) جامع البيان ١/ ١٢. وينظر: الموافقات ٢/ ١٠٤.
(٣) جامع البيان ٥/ ١٨٨.
(٤) جامع البيان ٥/ ٢٠٤.

<<  <   >  >>