للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المُتشابِه هو ما وصَفْنا، فكُلُّ ما عداه فمُحكَمٌ؛ لأنَّه لن يخلوَ مِنْ أن يكونَ مُحكَماً: بأنَّه بمعنىً واحِدٍ؛ لا تأويلَ له غيرُ تأويلٍ واحِدٍ، وقد استُغنيَ بسماعِه عن بيانِ مُبيِّنِه. أو يكونَ مُحكَماً -وإن كانَ ذا وجوهٍ وتأويلاتٍ وتصرُّفٍ في معانٍ كثيرَةٍ-: بالدَّلالَةِ على المعنى المُرادِ مِنه؛ إمَّا مِنْ بيانِ الله تعالى ذِكرُه عنه، أو بيانِ رسولِه لأُمَّتِه، ولن يذهبَ علمُ ذلك عن علماءِ الأمَّةِ؛ لِما قد بيَّنَّا» (١).

وقد أبانَ اللهُ موقِفَ أهلِ الحقِّ مِنْ مُحكَمِ القرآنِ ومُتشابِهِه بقولِه ﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾ [آل عمران: ٧]، فهُم يأخذونَ بمُحكَمِه، ويُؤمنون بمتشابِهِه، ويرُدُّونه إلى المُحكَمِ الذي هو ﴿أُمُّ الْكِتَابِ﴾ [آل عمران: ٧]، ومَرَدُّ بَيَانِه، «وموضِعُ مَفزَعِ أهلِه عندَ الحاجَةِ» (٢)، فيتبيَّنونَ ما تشابَهَ بما أُحكِمَ، فتجتمِعُ بذلك معاني القرآنِ ولا تتخالَفُ؛ إذْ ﴿كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾ [آل عمران: ٧]، وإنَّما الاختلافُ والتناقَضُ فيما كانَ مِنْ عِنْدِ غيرِ الله: ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ [النساء: ٨٢].

كما أبانَ اللهُ تعالى موقِفَ أهلِ الزَّيغِ والضَّلالِ مِنْ مُتشابِه القرآنِ ومُحكَمِه، فقالَ ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ﴾ [آل عمران: ٧]، فيُعرضونَ عن المُحكَمِ، ويتتبَّعون المُتشابِه، ويأخُذون مِنْ المُتشابِه ما يُوافِقُ أهوائَهُم، ويجعلونَه أصلاً مُحكَماً؛ «ليُحَقِّقوا -بادِّعائِهُم الأباطيلَ مِنْ التأويلاتِ في ذلك- ما هُمْ عليه مِنْ


(١) جامع البيان ٥/ ٢٠٠. وينظر: تأويل مشكل القرآن (ص: ١٤٥).
(٢) جامع البيان ٥/ ١٨٩.

<<  <   >  >>