للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الضَّلالَةِ والزَّيغِ عن مَحَجَّةِ الحَقِّ، تلبيساً مِنهم بذلك على من ضَعُفَتْ مَعرِفتُه بوجوهِ تأويلِ ذلك، وتصاريفِ معانيه» (١)، وإنَّما يفعلُ ذلك من ضَعُفَ حَظُّهُ مِنْ العلمِ والرُّسوخِ فيه، والتبَسَت به الأهواءُ، كما أشارَ اللهُ إلى ذلك بوصْفِه الفريقَ الآخرَ بقولِه ﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾ [آل عمران: ٧]، فلو رَسخوا في العلمِ لمَا التبسَ عليهِم معناه، ولا أخطئوا منهجَ كشفِه. (٢)

رابعاً: كَونُ (دليلِ القرآنِ) مِنْ أجلِّ الأدلَّةِ وأَوْلاها لا يكفي في لُزومِ قبولِه، بل الاستدلالُ به اجتهادٌ مِنْ المفسِّرِ؛ يُنظَرُ فيه إلى قوَّةِ دلالَةِ الدَّليلِ وصراحتِه، ويُشفَعُ بغيرِه مِنْ الأدلَّةِ، كما فعلَ ابنُ جريرٍ (ت: ٣١٠) في مواضِعَ كثيرةٍ مِنْ تفسيرِه؛ حيثُ يَقْرنُ دليلَ القرآنِ بغيرِه مِنْ الأدلَّةِ، كما في قولِه: «وذلك إن قالوه خرَجَ من قالَه مِنْ قيلِ أهلِ الإسلامِ، وخالَفَ نَصَّ كتابِ الله، وقولَ رسولِ الله ؛ وذلك أنَّ الله يقولُ ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣]» (٣)، فأورَدَه بين دَليلَيْ الإجماعِ والسَّنَّةِ، وكما في قولِه: «والذي هو أَوْلى بتأويلِ الآيةِ ما روَيْنا عن السُّدِّي؛ وهو أنَّ قولَه ﴿وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣]، أمرٌ مِنْ الله تعالى ذِكرُه عبادَه بتقديمِ الخيرِ والصَّالِحِ مِنْ الأعمالِ، ليومِ معادِهِم إلى رَبِّهم؛ عُدَّةً مِنهم ذلك لأنفسِهم عندَ لقائِه في موقفِ الحِسابِ؛ فإنَّه قالَ تعالى ذِكرُه ﴿وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١١٠]. وإنَّما


(١) جامع البيان ٥/ ٢٠٤.
(٢) ينظر: تأويل مشكل القرآن (ص: ١٤٣)، ومجموع الفتاوى ١٧/ ٣٦٨، وإعلام الموقعين ٤/ ٥٨، والموافقات ٣/ ٣١٥.
(٣) جامع البيان ٣/ ٧٤٢.

<<  <   >  >>