للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قطعاً. وبهذا تكونُ القراءةُ الشَّاذَّةُ كلاماً «مسموعاً مِنْ الشَّارعِ، وكلُّ قولِه حُجَّةٌ» (١).

فإن لم تكُن خبراً مسموعاً مِنْ النَّبي فلا تنزلُ عن أن تكونَ قولاً للصَّحابيِّ في معنى الآيةِ، وقولُه حُجَّةٌ. ويُنبَّه هنا إلى أنَّ هذا الاحتمالَ الأخيرَ لا يَردُ مُطلقاً فيما ينسِبُه الصحابي قراءةً إلى النَّبي ، أو فيما يقرأُ به قرآناً -كما سيأتي في الإجابةِ عن المذهب الأوَّل-، وإنَّما يُتصوَّرُ ورودُ ذلك الاحتمال فيما ينقلُه التَّابعيُّ عن الصحابيِّ موقوفاً، ظنّاً مِنه أن ذلك وجهٌ مِنْ القراءةِ له، وإنَّما قالَه الصحابيُّ تفسيراً، ومِن ثمَّ فقولُ القرطبيِّ (ت: ٦٧١): «وما يُؤثَرُ عن الصَّحابةِ والتّابعين أنَّهم قرؤوا بكذا وكذا، إنَّما ذلك على جِهةِ البيانِ والتَّفسيرِ» (٢)، ليس على عمومِه؛ بل مِنه ما هو كذلك، ومِنه ما ينصُّ الصحابيُّ على أنَّه مِنْ قراءةِ النَّبي ، أو مِنْ قراءتِه هو، أو يشتهرُ عنه هذا الوجهُ مِنْ القراءةِ، أو يُنقَلُ عنه مِنْ غيرِ طريقٍ، وأقلُّه ما يُخطئُ التابعيُّ في نسبتِه قراءةً إلى الصَّحابةِ .

٢ - أنَّ السَّلفَ لم يزالوا يحتجّون بهذا النوعِ مِنْ القراءاتِ، ويستفيدون مِنها المعاني واللُّغاتِ والأحكامَ، قالَ مجاهد (ت: ١٠٤) في قولِه تعالى ﴿أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ﴾ [الإسراء: ٩٣]: «كنَّا لا ندري ما الزُّخرف، حتى رأيناه في قراءَةِ ابن مسعودٍ: (أو يكونَ لك بيتٌ مِنْ ذهبٍ) [الإسراء: ٩٣] (٣) (٤)، وقالَ: «لو كنتُ قرأتُ قراءَةَ ابنَ مسعودٍ لم


(١) قالَه ابنُ مفلح (ت: ٧٦٣)، كما في شرح الكوكب المنير ٢/ ١٣٩. وينظر: الجامع لأحكام القرآن ١/ ٨٠.
(٢) الجامع لأحكام القرآن ١/ ١٣٤.
(٣) قراءةٌ شاذَّةٌ. ينظر: تفسير عبد الرزّاق ٢/ ٣١٧.
(٤) جامع البيان ١٥/ ٨٥.

<<  <   >  >>