للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا يجوزُ ظنُّ مثلِ هذا بالصَّحابةِ ؛ فإنَّ هذا افتراءٌ على الله وكذبٌ عظيمٌ؛ إذْ جعلَ رأيَه ومذهبَه الذي ليس هو عن الله تعالى ولا عن رسولِه = قرآناً، والصَّحابةُ لا يجوزُ نسبةُ الكذبِ إليهم في حديثِ النَّبي ولا في غيرِه، فكيف يكذبون في جعلِ مذاهبِهم قرآناً! هذا باطلٌ يقيناً» (١).

والمذهبُ الثَّاني هو الصَّوابُ، وعليه أكثرُ العلماءِ، وعامَّةُ المُفسّرين، ولا يُكادُ يُرى أثرُ هذا الخلافِ في كتبِ التَّفسيرِ، بل الأصلُ فيها نقلُ هذه القراءاتِ، والاحتجاجُ بها ضمنَ قواعِدِ الاستدلالِ المُعتبرَةِ، قالَ أبو عبيدٍ القاسمُ بن سلام (ت: ٢٢٤): «فأمَّا ما جاءَ مِنْ هذه الحروفُ التي لم يؤخذ علمُها إلا بالإسنادِ والرواياتِ التي تعرفُها الخاصَّةُ مِنْ العلُماءِ دونَ عوامِّ النَّاسِ = فإنَّما أردَ أهلُ العلمِ مِنها أن يستشهدوا بها على تأويلِ ما بين اللوحَيْن، ويكون دلائِلَ على معرفةِ معانيه، وعلمِ وجوهِه، وذلك كقراءَةِ حفصةَ وعائِشةَ: (حافظوا على الصلواتِ والصلاةِ الوسطى صلاةِ العصرِ) [البقرة: ٢٣٨] (٢)، وكقراءةِ ابنِ مسعودٍ: (والسَّارقون والسَّارقاتُ فاقطعوا أيمانَهم) [المائدة: ٣٨] (٣) .. ، فهذه الحروفُ وأشباهٌ لها كثيرةٌ قد صارَت مفسِّرةً للقرآنِ، وقد كانَ يُروى مثلُ هذا عن بعضِ التّابعين في التَّفسيرِ فيُستَحسَنُ ذلك، فكيف إذا رُويَ عن لُبابِ أصحابِ محمد ، ثُمَّ صارَ في نفسِ القراءَةِ! فهو الآن


(١) نزهة الخاطر العاطر شرح روضة الناظر ١/ ١٤٩. وينظر: شرح الكوكب المنير ٢/ ١٣٩.
(٢) قراءةٌ شاذَّةٌ. ينظر: قراءات النَّبي ، للدّوري (ص: ٧٧)، والمصاحف ١/ ٣٥٢، ٣٦٥، ٣٧١.
(٣) قراءةٌ شاذَّةٌ. ينظر: القراءات الشّاذَّة، لابن خالوَيْه (ص: ٣٣).

<<  <   >  >>