للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أكثرُ مِنْ التَّفسيرِ وأقوى، وأدنى ما يُستَنبَطُ مِنْ علمِ هذه الحروفِ: معرفةُ صحَّةِ التأويلِ. على أنَّها مِنْ العلمِ الذي لا يعرفُ العامَّةُ فضلَه، إنَّما يعرفُ ذلك العُلماءُ» (١)، وقالَ ابنُ جِنِّي (ت: ٣٩٢): «لكنَّ غرضَنا أن نُرِيَ وجهَ قوَّةِ ما يُسمّى الآنَ شاذّاً، وأنَّه ضاربٌ في صحَّةِ الروايةِ بِجِرانِه، آخذٌ مِنْ سمتِ العربيَّةِ مُهلةَ ميدانِه؛ لئلا يَرَى مَرِيٌ (٢) أنَّ العدولَ عنه إنَّما هو غضٌّ مِنه، أو تهمةٌ له. ومعاذ الله! وكيف يكونُ هذا والروايةُ تُنميهِ إلى رسولِ الله ، والله تعالى يقولُ ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ﴾ [الحشر: ٧]، وهذا حكمٌ عامٌّ في المعاني والألفاظِ، وأخذُه هو الأخذُ به. فكيف يسوغُ مع ذلك أن ترفضَه وتجتنبَه! فإن قَصُر شيءٌ مِنه عن بلوغِه إلى رسولِ الله ، فلن يقصُرَ عن وجهٍ مِنْ الإعرابِ داعٍ إلى الفسحةِ والإسهابِ، إلا أنَّنا وإن لم نقرأ في التِّلاوةِ به مخافَةَ الانتشارِ فيه، ونُتابعُ مَنْ يَتبَعُ في القراءةِ كلَّ جائزٍ روايةً ودرايةً، فإنَّا نعتقدُ قوةَ هذا المسمّى شاذّاً، وأنَّه مما أمرَ الله تعالى بتقبُّلِه، وأرادَ منَّا العملَ بموجبِه، وأنه حبيبٌ إليه، ومرضيٌّ مِنْ القولِ لديه. نعَمْ، وأكثرُ ما فيه أن يكونَ غيرُه مِنْ المجتمعِ عندهم عليه أقوى مِنه إعراباً، وأنهضُ قياساً؛ إذ هما جميعًا مرويَّانِ مسندانِ إلى السَّلفِ ) (٣).

بل نقلَ ابنُ عبد البرِّ (ت: ٤٦٣) إجماعَ العُلماءِ العمليِّ على الاحتجاجِ بالقراءاتِ الشّاذّةِ في التَّفسيرِ، فقالَ: «وفي هذا الحديثِ دليلٌ على ما ذهبَ إليه العُلماءُ مِنْ الاحتجاجِ بما ليس في مُصحفِ


(١) فضائل القرآن (ص: ١٩٥). وينظر: البرهان في علوم القرآن ١/ ٣٣٦، والإتقان ٢/ ٥٣٣.
(٢) المَرِي: هو الرَّجلُ المقبولُ في خَلقِه وخُلُقِه. ينظر: لسان العرب ٢٠/ ١٤٨.
(٣) المحتسب ١/ ١٠٣.

<<  <   >  >>