للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رسولِ الله قولَه: «إنَّ كُرسيَّه وَسِعَ السماواتِ والأرضَ، وإنَّه ليَقعُدُ عليه فما يَفضُلُ مِنه مِقدارُ أربعِ أصابِعَ .. » (١) الحديثَ، ثُمَّ قالَ: «وأمَّا الذي يدلُّ على صِحَّتِه ظاهِرُ القرآنِ فقولُ ابنِ عباسٍ .. : هو عِلْمُه» (٢)، واستدلَّ له بدليلِ القرآنِ، والسِّياقِ، وأصلِ الّلفظِ في لُغةِ العربِ وأشعارِها.

فابنُ جريرٍ (ت: ٣١٠) بصَنيعِه هذا يومئُ إلى ضعفِ الحديثِ المَذكورِ؛ لِعدمِ مَصيرِه إليه، كما هو مَنهجُه فيما نصَّ عليه في مواضِعَ مِنْ تفسيرِه، وفي أمثالِه مِنْ الأحاديثِ. كما أفادَ بترتيبِه ذلك صورةً لتعظيمِ نُصوصِ الشَّرعِ، وتنبيهاً على منهجِ الأخذِ بدليلِ السُّنَّةِ، وبياناً لما يصِحُّ أن يتقدَّمَه مِنْ الأدلَّةِ حالَ ضَعفِه.

تاسعَ عشر: تكثيرُ الطُّرقِ عند الاعتمادِ على الخبرِ، ومِن ذلك إيرادُه لحديثِ: «ألا إنَّ القوَّةَ الرَّميُ» (٣) مِنْ سِتَّةِ طُرُقٍ، عندَ استدلالِه به على


(١) أخرجه الدارمي في نقضِه على المُريسي ١/ ٤٢٦، وابنُ خزيمةَ في التوحيد ١/ ٢٤٤، وابنُ أبي عاصم في السُّنة ١/ ٣٩٢ (٥٨٦)، وعبدُ الله بن أحمد في السُّنة ١/ ٣٠٥ (٥٩٣)، وابنُ الجوزي في العلل المتناهية ١/ ٤. من طريقِ عبد الله بن خليفة، عن عُمر، ومَرَّةً مُرسلاً. وإسناده ضعيف، وفيه اضطرابٌ سنداً ومَتْناً، ووسَّع ابنُ تيمية الكلامَ عليه في مجموع الفتاوى ١٦/ ٤٣٤ - ٤٣٩، ومِمّا قالَ: «وطائفةٌ من أهلِ الحديثِ تردّه لاضطرابِه، كما فعلَ ذلك أبو بكر الإسماعيلي، وابن الجوزي، وغيرُهم، لكنَّ أكثرَ أهلِ السُّنة قبلوه»، وقال ابنُ كثير (ت: ٧٧٤): «عن عبد الله بن خليفة، وليس بذاك المشهور، وفي سماعِه من عُمرَ نظرٌ، ثُمّ منهم من يرويه عن عمرَ موقوفاً، ومنهم من يرويه مُرسلاً، ومنهم من يزيد في متنِه زيادةً غريبةً، ومنهم من يحذِفُها». تفسيره ٢/ ٤٤٣.
(٢) جامع البيان ٤/ ٥٤١.
(٣) سبق تخريجه (ص: ٢٢٠).

<<  <   >  >>