للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثَّاني: الإجماعُ السُّكوتيّ أو الإقراريّ، وذلك بأن ينتشرَ القولُ أو الفعلُ عن بعضِ المُجتهدين، ويسكتَ الباقون عن مخالفتِه وإنكارِه. ومثلُه الإجماعُ الاستقرائيّ، وهو أن تُستَقرأَ أقوالُ العلماءِ في مسألةٍ فلا يُعلَمُ فيها مُخالِفٌ.

وقد كثُرَت أقوالُ العلماءِ في بيانِ حُكمِ هذا النوعِ (١)؛ لاحتمالِ السُّكوتِ الرِّضا وعدمَه، «والصَّحيحُ أنَّه إجماعٌ، وأنَّه حُجَّةٌ» (٢)، وعليه جُمهورُ العلماءِ (٣)، وأضافَ ابنُ تيمية (ت: ٧٢٨) أنَّه: «حُجَّةٌ ظنيَّةٌ .. ، يحتجُّ به، ويُقدَّمُ على ما هو دونَه بالظَّنِّ، ويُقدَّمُ عليه الظَّنُّ -أي النَّصُّ المعلومُ- الذي هو أقوى مِنه» (٤)، وذلك لأنَّ عِلمَه بعدمِ المُخالفِ ظنيٌّ وليس قطعيّاً؛ فكانَت دلالةُ هذا الإجماعِ ظنيّةٌ. قالَ ابنُ جريرٍ (ت: ٣١٠): «وإذْ كانَ ذلك كذلك، وكانَ لا اختلافَ بينهم ظاهرٌ، وكانَ ما كانَ مُستفيضاً فيهم ظاهرَ الحُجَّةِ = فالواجبُ -وإن احتملَ ذلك معنىً غيرَ الذي قالوا- التَّسليمُ لما استفاضَ بصِحَّتِه نقلُهم» (٥).

وأمثلةُ استدلالِ ابنِ جريرٍ (ت: ٣١٠) بالإجماعِ على المعاني في تفسيره كثيرةٌ ظاهِرةٌ، وهي على نوعين:


(١) ذكرَ الزَّركشي (ت: ٧٩٤) منها ثلاثةَ عشرَ قولاً. البحر المحيط ٣/ ٥٣٨. وينظر: المسوَّدة ٢/ ٦٤٩.
(٢) شرح اللمع ٢/ ٦٩١.
(٣) ينظر: الإحكام، للآمدي ١/ ٣٣١، والبحر المحيط في الأصول ٣/ ٥٣٩، وشرح الكوكب المنير ٢/ ٢٥٤.
(٤) مجموع الفتاوى ١٩/ ٢٦٨. وينظر: مراتب الإجماع (ص: ٣٠٢)، وسير أعلام النبلاء ٧/ ١١٦.
(٥) جامع البيان ٨/ ٤٠.

<<  <   >  >>