للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العقلَ لا يمنعُ مِنْ إجماعِ طائِفةٍ كثيرةٍ مِنْ النَّاسِ على الكذبِ أو الخطأِ؛ كأصحابِ المِلَلِ الضَّالَّةِ، والأديانِ المُحرَّفةِ (١)، لكنَّ الله تعالى عصمَ هذه الأمَّةَ في إجماعِها؛ فلا تجتمعُ على باطلٍ أبداً، وإذا أجمعَتْ على أمرٍ فهو الحَقُّ. ومِن الأدلَّةِ على ذلك ما يأتي:

أوَّلاً: قولُه تعالى ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [النساء: ١١٥]، ووجه الدَّلالةِ أنَّ الله تعالى جمعَ بين مشاقَّةِ الرسولِ واتِّباعِ غيرِ سبيلِ المؤمنين في الوعيدِ، -وسبيلُ المَرءِ: ما يختارُه مِنْ قولٍ أو فعلٍ أو اعتقادٍ-، فدلَّ على أنَّ كُلّاً مِنهما مُحرَّمٌ، ومِن ثَمَّ فاتِّباعُ سبيلِ المؤمنين واجِبٌ، وذلك معنى كونِ الإجماعِ حُجَّةً (٢)، قالَ ابنُ تيمية (ت: ٧٢٨): «والآيةُ دلَّت على أنَّ مُتَّبعَ غيرِ سبيلِ المؤمنين مُستحقٌّ للوعيدِ، كما أنَّ مُشاقَّ الرسولِ مِنْ بعدِ ما تبيَّنَ له الهُدى مُستحقٌّ للوعيدِ، ومعلومٌ أنَّ هذا الوصفَ يوجِبُ الوعيدَ بمُجرَّدِه، فلو لم يكُن الوصفُ الآخرُ يدخلُ في ذلك لكانَ لا فائِدةَ في ذِكرِه» (٣).

ثانياً: قولُه تعالى ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى


(١) ينظر: الفقيه والمتفقه ١/ ٤٢٥، وأصول السَّرخسي ١/ ٢٩٥، والبحر المحيط في الأصول ٣/ ٤٩١.
(٢) ينظر: أحكام القرآن، للشافعي (ص: ٣٩)، والفقيه والمتفقه ١/ ٣٩٩، ومجموع الفتاوى ٧/ ٣٨.
(٣) مجموع الفتاوى ١٩/ ١٧٨. وينظر: الفقيه والمتفقه ١/ ٤٠٠.

<<  <   >  >>