للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النّاجيةَ بما كانوا عليه مِنْ منهجٍ مُحدَّدٍ واضحِ المعالمِ، لا بحقبةٍ زمنيّةٍ مُجرَّدةٍ.

ومفهومُ السَّلفِ بهذه الدّلالةِ أساسٌ للدَّلالةِ التّاريخيّةِ السّابقةِ؛ فإنَّه ما يشتركُ فيه أهلُ تلك القرونِ، ويجتمعون عليه، كما أنَّه صفةَ جُمهورِهم كذلك. ويزيدُ هذا المفهومُ عن الدّلالةِ التّاريخيّةِ باشتمالِه مَنْ انتسبَ إلى السَّلفِ ممّن تأخّرَ به الزّمنُ عنهم، والانتسابُ إليهم صحيحٌ مقبولٌ، كما قالَ ابنُ تيمية (ت: ٧٢٨): «لا عيبَ على مَنْ أظهرَ مذهبَ السَّلفِ وانتسبَ إليه واعتزى إليه، بل يجبُ قبولُ ذلك مِنه بالاتفاقِ؛ فإنَّ مذهبَ السَّلفِ لا يكونُ إلا حقّاً» (١)، وحقيقةُ الانتسابِ إلى السَّلفِ: التزامُ منهجِهم في تلقّي النُّصوصِ، وفَهمِها، والاستدلالِ بها. (٢)

فالسَّلفُ من أهلِ القرونِ المُفضَّلةِ سلفٌ لُغةً وتاريخاً ومَنهجاً، والسَّلفُ ممَّن بعدَهم سلفٌ لُغةً ومَنهجاً، والسَّلفُ مِنْ أهلِ العصرِ سلفٌ مَنهجاً.

وعلى كلا المفهومَين التاريخيّ والمنهجيّ جرى استعمالُ ابنِ جريرٍ (ت: ٣١٠) في تفسيرِه؛ فإنَّه لا يعتبرُ مِنْ السَّلفِ مَنْ خالفَ منهجَهم وهديَهم العامَّ، كما لا يخرجُ به عن أتباعِ التّابعين، وإن ذكرَ مَنْ بَعدَهم سمّاهم: (الخلفَ)، و (المتأخّرين)، ومِن قولِه في ذلك: «وبمثلِ الذي


(١) ينظر: مجموع الفتاوى ٤/ ١٤٩.
(٢) ينظر: مجموع الفتاوى ٢٤/ ١٧٢، والاعتصام (ص: ٤٣٩).

<<  <   >  >>