للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثانيهما: أنَّ قولَ الواحدِ -اشتهرَ عنه أم لم يشتهِرْ- مع عدمِ مخالفةِ غيرِه مِنْ السَّلفِ له، وعدمِ ذكرِهم لغيرِه مِنْ الأقوالِ = بمثابةِ قولِ عامَّتِهم، كما سلفَ في بعضِ وجوه حُجِّيَّةِ أقوالِ السَّلفِ. وشواهدُ هذا في صنيعِ ابنِ جريرٍ (ت: ٣١٠) كثيرةٌ، مِنها قولُه: «وبمثلِ ما قُلنا في ذلك قالَ جماعةُ أهلِ التَّأويلِ» (١)، ثُمَّ أسندَ عن السُّدِّي (ت: ١٢٨) قولَه: «﴿ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٨٢]، يقولُ: أعدلُ عندَ الله» (٢)، ولم يذكُرْ غيرَه.

خامساً: مِنْ المعلومِ أنَّ أقوالَ السَّلفِ تأتي على وجوهٍ مِنْ التَّعبيرِ، تتفاوتُ في الدَّلالةِ على المعنى؛ فمِنها التَّفسيرُ على اللفظِ، ومنها التَّفسيرُ على المعنى -كما سبقَ بيانُه- (٣)، قالَ النَّحاسُ (ت: ٣٣٨) بعد ذِكرِ بعضِ أقوالِ السَّلفِ في التَّفسيرِ: «ولم يَشرَحوا ذلك بأكثرَ مِنْ هذا؛ لأنَّه ليس مِنْ مذاهبِ الأوائلِ، وإنَّما يأتي الكلامُ عنهم مُجمَلاً، ثم يتأوَّلُه أهلُ النَّظَرِ على ما يوجِبُه المعنى» (٤).

وقد تميَّزَ ابنُ جريرٍ (ت: ٣١٠) بحُسنِ توجيهِه لأقوالِ السَّلفِ، وصحَّةِ فهمِ مقاصدِهم، ودِقَّةِ البيانِ عنهم، وقدرتِه على جمعِ المعاني المؤتلفةِ في معنىً عامٍّ يُتقِنُ التّعبيرَ عنه، ومِن قولِه في ذلك: «وبنحوِ الذي قُلنا في ذلك قالَ أهلُ التَّأويلِ، وإن خالَفَت ألفاظُ تأويلِهم ألفاظَ تأويلِنا،


(١) جامع البيان ٥/ ١٠٤.
(٢) المرجع السّابق.
(٣) (ص: ٦٣).
(٤) معاني القرآن ١/ ٧٧.

<<  <   >  >>