للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الرِّضا والقبولِ، قالَ أبو بكرِ ابن كامل (ت: ٣٥٠): «أملى علينا ابنُ جريرٍ كتابَ التَّفسيرِ مئةً وخمسين آيةً، ثُمَّ خَرجَ بعد ذلك إلى آخرِ القرآنِ فقرأَهُ علينا، وذلك في سنةِ سبعين ومائتين، واشتهرَ الكتابُ وارتفعَ ذِكرُه، وأبو العباسِ أحمدُ بن يحيى ثعلبُ، وأبو العباسِ محمدُ بن يزيدٍ المبرِّدُ = يحيَيَان، ولأهلِ الإعرابِ والمعاني معقِلان، وكانَ أيضاً في الوقتِ غيرُهما؛ مثلُ: أبي جعفرَ الرُّستُمي، وأبي الحسن ابنِ كيسانَ، والمفَضَّلِ بن سلمةَ، والجعدِ، وأبي إسحاقٍ الزَّجَّاجِ، وغيرِهم من النَّحويّين مِنْ فُرسانِ هذا اللسانِ، وحُمِلَ هذا الكتابُ مشرقاً ومغرباً، وقرأه كلُّ مَنْ كانَ في وقتِه مِنْ العلماءِ، وكلٌّ فضَّلَه وقدَّمَه» (١).

ولابنِ جريرٍ (ت: ٣١٠) كتابٌ في اللُّغةِ والنّحوِ على مذهبِ الكوفيّين (٢)، وقد كانَ أقامَ علمَه باللُّغةِ على مذهبِهم، ثُمَّ استقلَّ بنظرِه بعدَ ذلك مُتَّبِعاً الدَّليلَ، وظهرَ ذلك جليّاً في تفسيرِه؛ فمرَّةً يوافقُ الكوفيّين -وهو كثيرٌ-، ومرَّةً البصريّين، وأخرى يستقلُّ برأيِه عنهما (٣)؛ وذلك أثرٌ مِنْ منهجِه العلميِّ، فمَن ملكَ آلةَ الاجتهادِ، وعرفَ الأدلَّةَ وميَّزَها، وعرفَ مذاهبَ العلماءِ وأقوالَهم، ومواضِعَ إجماعِهم وخِلافِهم = لا يسَعُه إلا الاجتهادُ والنَّظرُ والاستدلالُ؛ إذْ لا معنى للتَّقليدِ مع ظهورِ الدَّليلِ لِمِثْلِه، ولا يصحُّ منه.


(١) معجم الأدباء ٦/ ٢٤٥٢.
(٢) معجم الأدباء ١/ ١٩١، ٦/ ٢٤٤٤.
(٣) ينظر: جامع البيان ١/ ٢٣٥، ٥٥٧، ٣/ ٦٣٩، ١١/ ٦٥٠، ١٨/ ٩، ٢٣/ ٤٧٣، ٤٧٤، والنَّحو وكتب التَّفسير ١/ ٥٨١، ٥٩٧، والطَّبري والجهود النحوية في تفسيرِه (ص: ٤٠٠).

<<  <   >  >>