للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صِحَّةِ القولِ بما فيه الكفايةُ لمَن وفِّقَ لفهمِه، على أنَّ الله جلَّ ثناؤُه أنزلَ جميعَ القرآنِ بلسانِ العربِ دونَ غيرِها مِنْ ألسُنِ سائرِ أجناسِ الأُممِ، وعلى فسادِ قولِ مَنْ زعمَ أنَّ مِنه ما ليس بلسانِ العربِ ولُغتِها. فنقولُ الآنَ -إذْ كانَ ذلك صحيحاً- في الدَّلالةِ عليه بأيِّ ألسُنِ العربِ أُنزلَ: أبألسُنِ جميعِها، أم بألسُنِ بعضِها؟ إذْ كانَت العربُ -وإن جمعَ جميعَهم اسمُ أنَّهم عربٌ- فهم مُختلفو الألسُنِ بالبيانِ، متباينو المنطقِ والكلامِ .. ، فإذْ كانَ ذلك كذلك، وكانَت الأخبارُ قد تظاهرَت عنه بما حدَّثنا به .. » (١)، ثُمَّ أوردَ إحدى وأربعينَ روايةً لحديثِ نزولِ القرآنِ على الأحرفِ السَّبعةِ (٢)، ثُمَّ قالَ: «صَحَّ وثبتَ أنَّ الذي نزلَ به القرآنُ مِنْ ألسُنِ العربِ البعضُ مِنها دونَ الجميعِ؛ إذْ كانَ معلوماً أنَّ ألسِنتَها ولُغاتِها أكثرُ مِنْ سبعةٍ، بما يُعجَزُ عن إحصائِه» (٣)، وقد أقامَ ابنُ جريرٍ (ت: ٣١٠) استنتاجَه ذلك على مُقدِّمتَيْن:

أولاهُما: أنَّ المُرادَ بالأحرفِ السَّبعةِ في الحديثِ: سبعُ لُغاتٍ مِنْ لُغاتِ العربِ، في حرفٍ واحدٍ وكلمةٍ واحدةٍ، باختلافِ الألفاظِ واتِّفاقِ المعاني، كقولِ القائلِ: (هلُمَّ، وتعالَ، وأقبِلْ، وإليَّ .. ) (٤). واستدلَّ لذلك بأربعةِ أدلَّةٍ (٥)، هي:


(١) جامع البيان ١/ ٢٠.
(٢) جامع البيان ١/ ٢١ - ٤٠.
(٣) جامع البيان ١/ ٤١.
(٤) ينظر: جامع البيان ١/ ٤٢، ٤٣، ٥٢.
(٥) ينظر: جامع البيان ١/ ٤٣ - ٤٩. وهذا رأيُ جماعةٍ كثيرةٍ من العلماءِ؛ وهو مِنْ أقوى المذاهبِ في تفسيرِ الأحرفِ السَّبعةِ. ينظر: فضائل القرآن، لأبي عبيد (ص: ٢٠٣)، والتمهيد، لابن عبد البر ٦/ ١٧، والإبانة، لمكي القيسي (ص: ٨٠)، والمرشد الوجيز (ص: ٩١)، والأحرف السبعة، لعتر (ص: ١٦٨).

<<  <   >  >>