للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتقريرُ ذلك أصلٌ لازمٌ لتصحيحِ الاستشهادِ على معاني القرآنِ بكلامِ العربِ، وقد أشارَ العلماءُ إلى ذلك؛ فقالَ الشافعيُّ (ت: ٢٠٤): «وإنَّما بدأتُ بما وصفتُ مِنْ أنَّ القرآنَ نزَلَ بلسانِ العربِ دون غيرِه؛ لأنَّه لا يَعلَمُ مِنْ إيضاحِ جُمَلِ الكتابِ أحدٌ جَهِلَ سَعَةَ لسانِ العربِ، وكثرَةَ وجوهِه، وجِماعَ معانيه وتفرُّقَها، ومَن عَلِمَه انتفتْ عنه الشُّبهُ التي دخلَتْ على من جهِلَ لسانَها. فكانَ تنبيهُ العامَّةِ على أنَّ القرآنَ نزلَ بلسانِ العربِ خاصَّةً = نصيحةً للمسلمين، والنَّصيحةُ لهم فرضٌ لا ينبغي تركُه» (١)، وقالَ الشّاطبي (ت: ٧٩٠): «لا بُدَّ في فهمِ الشَّريعةِ مِنْ اتِّباعِ معهودِ الأُمّيّين؛ وهُم العربُ الذين نزلَ القرآنُ بِلِسانِهم، فإن كانَ للعربِ في لسانِهم عُرْفٌ مُستمرٌّ فلا يصحُّ العدولُ عنه في فهمِ الشَّريعةِ، وإن لم يكُنْ ثَمَّ عُرْفٌ فلا يصحُّ أن يَجري في فهمِها على ما لا تعرفُه، وهذا جارٍ في المعاني والألفاظِ والأساليبِ» (٢)، ولا شكَّ أنَّ الجهلَ بذلك يوقِعُ «في الشُّبَه والإشكالاتِ التي يتعذَّرُ الخروجُ مِنها إلا بهذه المَعرفةِ» (٣).

ثانياً: لم يَنزِل القرآنُ على لسانِ أحدٍ مِنْ العربِ بعينِه، ولا بلسانِ جميعِهم، بل كانَ نزولُه على لسانِ بعضِ العربِ، وذلك ما قرَّرَه ابنُ جريرٍ (ت: ٣١٠) في مبحثٍ عقدَه في مقدِّمةِ تفسيرِه بعنوانِ: (القولُ في اللُّغةِ التي نزلَ بها القرآنُ مِنْ لُغاتِ العربِ)، قالَ فيه: «قد دلَّلْنا على


(١) الرسالة (ص: ٥٠).
(٢) الموافقات ٢/ ١٣١.
(٣) الموافقات ٤/ ١٥٤.

<<  <   >  >>