للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي تحديدِ تلك اللغاتِ يقولُ ابنُ جريرٍ (ت: ٣١٠): «فإن قالَ لنا قائِلٌ: فهل لك مِنْ علمٍ بالألسُنِ السَّبعةِ التي نزلَ بها القرآنُ؟ وأيُّ الألسُنِ هي مِنْ ألسُنِ العربِ؟ قلنا: أمّا الألسُنُ السِّتَّةُ التي قد نزلَتْ القراءةُ بها فلا حاجةَ بنا إلى معرفتِها؛ لأنّا لو عرفناها لم نقرأ اليومَ بها، مع الأسبابِ التي قدَّمنا ذِكرَها. وقد قيلَ: إنَّ خمسةً مِنها لعَجُزِ هوازنَ (١)، واثنين مِنها لقريشٍ وخُزاعةَ، رُويَ جميعُ ذلك عن ابنِ عباسٍ، وليست الرِّوايةُ به عنه مِنْ روايةِ مَنْ يجوزُ الاحتجاجُ بنَقلِه» (٢).

ثالثاً: يتبيَّنُ مِنْ صنيعِ ابنِ جريرٍ (ت: ٣١٠) نوعَ ما يُستدَلُّ له بلُغةِ العربِ مِنْ المعاني؛ وذلك ما يتَّصلُ بألفاظِ القرآنِ الكريمِ، وأساليبِ ورودِها؛ مِنْ جهةِ صحَّةِ تلك الألفاظِ والأساليبِ أو عدمِها، وقِلَّتِها أو كثرتِها. ولا يعتبرُ دليلُ اللُّغةِ فيما وراءَ ذلك مِنْ تفاصيلِ معاني العقائدِ والأحكامِ ونحوِها ممّا جاءَ به دليلُ الشَّرعِ؛ لأنَّ اللُّغةَ لا يُستدل بها لتقريرِ الدينِ، وإنَّما لفهمِه، فإذا دلَّ دليلُ اللُّغةِ على صِحَّةِ معنى في لفظِه وتركيبِه مِنْ الكلامِ، فذلك مُنتهى أمرِه، ولا صِلةَ له فيما وراءَ ذلك مِنْ الأحكامِ.

ولم أجِدْ في جميعِ مواضع استدلالاتِ ابنِ جريرٍ (ت: ٣١٠) باللُّغةِ ما يُخالفُ ذلك، بل كانَ دقيقاً في تمييزِ حُكمِ اللُّغةِ مِنْ حُكمِ الشَّرعِ،


(١) فسَّرَ ابنُ جريرٍ (ت: ٣١٠) عجُزَ هوازن بعد ذلك، فقالَ: «والعَجُزُ مِنْ هوازن: سعدُ بن بكرٍ، وجُشَمُ بن بكرٍ، ونصرُ بن معاويةَ، وثقيفٌ». جامع البيان ١/ ٦٢، وهو نصُّ أبي عبيد (ت: ٢٢٤) في فضائل القرآن (ص: ٢٠٤).
(٢) جامع البيان ١/ ٦١.

<<  <   >  >>