للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مِنها بعينِه، كما في قولِ ابنِ جريرٍ (ت: ٣١٠): «ومِنه قولُ الهُذَلي» (١)، وشُعراءُ هذَيلٍ كثيرون، وقولِه: «وقالَ رجلٌ مِنْ بني أسدٍ» (٢)، وقولِه: «وقالَ بعضُ بني عقيلٍ» (٣)، وأمثالِ ذلك، وأكثرُ ما يقعُ ذلك عندَ نِسبةِ اللّهجاتِ دونَ الأبياتِ.

ثانيها: تحديدُ مستوى اللُّغةِ التي تكونُ معياراً يُحكَمُ به ويُقاسُ عليه، وقد قصدَ أئمَّةُ اللُّغةِ «إلى وضعِ قواعدَ للُغةٍ واحدةٍ كانَ يُخشى عليها مِنْ فسادِ الألسنةِ، وانتشارِ اللحنِ؛ هي لُغةُ: القرآنِ الكريمِ، والشِّعرِ الجاهليِّ، وكلامِ العربِ المُطَّردِ دون لُغةِ الكلامِ العاديِّ، وهذا ما يُعرَفُ ب (اللُّغةِ الأدبيَّةِ) التي رأى اللغويون الأوائِلُ أنَّها تُمثِّلُ العربيَّةَ الفُصحى الجامعةَ للعربِ على اختلافِ قبائلِهم، وتباعُدِ أماكنِ سُكناهم» (٤)، كما أنَّهم لم يرفضوا ما خالفَ تلك (اللُّغةَ المُشتركةَ) مِنْ اللهجاتِ الخاصَّةِ ببعضِ القبائلِ، ولم يُخطِّئوا مِنها شيئاً، بل سمَّوْها: لُغاتٍ. قالَ ابنُ جنّي (ت: ٣٩٢) بعد أن ذكرَ أمثالاً لتلك اللهجاتِ: «وكيفَ تصرَّفَت الحالُ فالنّاطقُ على قياسِ لُغةٍ مِنْ لُغاتِ العربِ مُصيبٌ غيرُ مُخطئٍ، وإن كانَ غيرُ ما جاءَ به خيراً مِنه» (٥).

وقد كانَ ذلك المعيارُ حاضِراً فيما قَبِلَ ابنُ جريرٍ (ت: ٣١٠) وقدَّمَ مِنْ اللغاتِ، وفيما تركَ وأخَّرَ مِنها، بل جعلَ مِنْ ذلك أصلاً في التّوجيهِ


(١) جامع البيان ٩/ ٣٥٥.
(٢) جامع البيان ١/ ١٥٤، ٢١١، ٩/ ٥٠٣، ١٩/ ٦١٩، ٢٤/ ٦٩٦.
(٣) جامع البيان ٤/ ٣٨٥، ١٠/ ٢٢٥، ١٢/ ١٤٠، ١٩/ ٥٠٤، ٢٤/ ١٧١.
(٤) ضوابط الفكر النحوي ١/ ٢٢٢. وينظر: الاحتجاج بالشِّعر في اللغةِ (ص: ٨٤).
(٥) الخصائص ١/ ٤٠٠، ضمن: (باب اختلافِ اللغات وكلُّها حُجَّةٌ).

<<  <   >  >>