للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومِن كتابِ أبي الحسنِ الأخفشِ، ومِن كتابِ أبي علي قُطرب (١)، وغيرِهم، ممّا يقتضيه الكلامُ عند حاجتِه إليه؛ إذْ كانَ هؤلاءِ هُمْ المُتكلِّمون في المعاني، وعنهم يُؤخذُ معانيه وإعرابِه، ورُبَّما لم يُسمِّهم إذا ذكرَ شيئاً مِنْ كلامِهم» (٢).

والقاعدةُ العامُّةُ عند أهلِ اللُّغةِ في بابِ الشَّواهدِ: أنَّ المُهمَّ في الشَّاهدِ الرَّاوي لا القائلُ؛ إذْ به تتبيَّنُ صِحَّةُ الاحتجاجِ مِنْ عدمِه، وهو المُرادُ (٣). وقد اعتمدَ العلماءُ ما رواهُ سيبويه (ت: ١٨٠) عن العربِ ممّا لا يُعرفُ قائِلُه؛ ثِقةً به، قالَ البغداديّ (ت: ١٠٩٣): «الشّاهدُ المجهولُ قائِلُه وتَتِمَّتُه إنْ صدرَ مِنْ ثِقةٍ يُعتمدُ عليه قُبلَ، وإلا فلا؛ ولهذا كانَت أبياتُ سيبويه أصحَّ الشَّواهدِ، اعتَمدَ عليها خلفٌ بعد سلفٍ، مع أنَّ فيها أبياتاً عديدةً جُهلَ قائِلوها، وما عيبَ بها ناقِلوها، وقد خرجَ كتابُه إلى النّاسِ والعلماءُ كثيرٌ، والعنايةُ بالعلمِ وَكِيدةٌ، ونُظرَ فيه وفُتِّشَ، فما طعنَ أحدٌ مِنْ المُتقدِّمين عليه، ولا ادَّعى أنَّه أتى بشِعرٍ مُنكرٍ» (٤).

ولأجلِ ذلك يقعُ الاستشهادُ كثيراً بأشعارِ القبائِلِ دون تعيينِ قائلٍ


(١) محمد بن المُستَنير، أبو عليّ النَّحويّ اللُّغويّ، المعروفُ بقُطرُب، صنَّف: إعراب القرآن، والنَّوادر، وغيرها، مات سنة (٢٠٦). ينظر: وطبقات النَّحويّين واللُّغويّين (ص: ٩٩)، وبغية الوعاة ١/ ٢٤٢.
(٢) معجم الأدباء ٦/ ٢٤٥٤. ولم أجِدْ لقُطربَ (ت: ٢٠٦) ذكرٌ في تفسيرِ ابنِ جريرٍ (ت: ٣١٠)، ولعلَّه لمْ يُسمِّه.
(٣) ينظر: الطبري والجهود النحوية في تفسيرِه (ص: ٣٨١)، والشّاهد الشعري في تفسيرِ القرآن (ص: ٥٤٢).
(٤) خزانة الأدب ١/ ١٦. وقد بلغت الأبياتُ المجهولةُ في كتابِ سيبويه (٣٤٢) بيتاً، بإحصاءِ مؤلّفِ كتابِ: بحوث ومقالات في اللغة (ص: ٩٠)، وبلغَ ما عُرِفتْ نسبتُه مِنها (٢٣٣)، والباقي (١٠٩) غيرُ معروفةِ النِّسبةِ. وينظر: ضوابط الفكر النحوي ١/ ٣٨٨.

<<  <   >  >>