للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ما نويتُه ثلاثَ سنينَ قبل أن أعملَه، فأعانني» (١)، وكانَ هذا الاهتمامُ والاحتشادُ مِنْ ابنِ جريرٍ (ت: ٣١٠) خيرَ معينٍ له على تحسينِه وإتقانِه، والأخذِ بكلِّ أسبابِ العلمِ وأطرافِه التي بنى عليها تفسيرَه.

ثمَّ لمَّا اطمأنَّ لذلك شَرَعَ في إملاءِه سنة (٢٧٠) ببغدادَ، وأملى مِنْ أوَّلِ القرآنِ تفسيرَ مئةٍ وخمسينَ آيةً، ثمّ خرجَ إلى آخرِ القرآنِ وأملى مِنه، وكانَ ذلك مِنه نوعٌ مِنْ التَّدبيرِ؛ لينظرَ جودةَ ما كتبَ، وقبولَه، وشهادةَ العلماءِ له، قالَ أبو بكر ابنُ كامل (ت: ٣٥٠): «أملى علينا ابنُ جريرٍ كتابَ التَّفسيرِ مئةً وخمسينَ آيةً، ثمَّ خرجَ بعد ذلك إلى آخرِ القرآنِ فقرأه علينا، وذلك في سنةِ سبعينَ ومائتين، واشتهرَ الكتابُ وارتفعَ ذكرُه، وأبو العبّاسِ أحمدُ بن يحيى ثعلب، وأبو العبّاسِ محمدُ بن يزيدٍ المبرِّد = يحيَيَان، ولأهلِ الإعرابِ والمعاني معقِلان، وكانَ أيضاً في الوقت غيرُهما، مثل: أبي جعفر الرُّستُمي، وأبي الحسن ابنِ كيسان، والمفَضَّلِ بن سلمةَ، والجعدِ، وأبي إسحاقَ الزَّجَّاج، وغيرِهم مِنْ النحويّين مِنْ فُرسانِ هذا اللسانِ، وحُمِلَ هذا الكتابُ مشرِقاً ومغرِباً، وقرأه كلُّ مَنْ كانَ في وقتِه مِنْ العلماءِ، وكُلٌّ فضَّلَه وقدَّمَه» (٢).

ثمَّ أتَمَّ ابنُ جريرٍ (ت: ٣١٠) كتابةَ تفسيرِه على ما رَسَمَ، وشرَعَ في إملاءِه وإخراجِه كاملاً، وقد عَزَمَ أوَّل أمرِه على البسطِ والاستيعابِ، ثمَّ عَدَلَ عن ذلك لِمَا رأى مِنْ ضَعفِ هِمَّةِ الطُلّابِ، فقد روى الخطيبُ (ت: ٤٦٣): «أنَّ أبا جعفر الطَّبري قالَ لأصحابِه: أتنشطون


(١) المرجع السابق.
(٢) معجم الأدباء ٦/ ٢٤٥٢.

<<  <   >  >>