للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لتفسيرِ القرآنِ؟ قالوا: كم يكونُ قدرُه؟ قالَ: ثلاثون ألفَ ورقة. فقالوا: هذا ممّا تفنى الأعمارُ قبل تمامِه. فاختصرَه في نحوِ ثلاثةِ آلافِ ورقةٍ. ثمَّ قالَ: تنشطون لتاريخِ العالمِ مِنْ آدمَ إلى وقتِنا هذا؟ قالوا: كم قدرُه؟ فذكرَ نحواً ممّا ذكرَه في التَّفسيرِ، فأجابوه بمثلِ ذلك، فقالَ: إنّا لله ماتَتْ الهِممُ. فاختصرَه في نحوٍ ممّا اختصرَ التَّفسيرَ» (١)، وقد أشارَ إلى قصدِ الاختصارِ في مقدِّمتِه حيث قالَ في منهجِ تأليفِه: «بأوجزِ ما أمكنَ مِنْ الإيجازِ في ذلك، وأخصرِ ما أمكنَ مِنْ الاختصارِ فيه» (٢).

وقد اجتهدَ ابنُ جريرٍ (ت: ٣١٠) في تحريره غايةَ التحريرِ، قالَ عبدُ العزيز بن محمد الطَّبري: «قالَ أبو عمرَ الزاهدُ -وكانَ معروفاً زمناً طويلاً بمقابلةِ الكتبِ-: سألتُ أبا جعفر عن تفسيرِ آية، فقالَ: قابِلْ بهذا الكتابِ مِنْ أوَّلِه إلى آخرِه. قلتُ: فقابلت، فما وجدت فيه حرفاً واحداً خطأً في نحوٍ ولا لغةٍ» (٣)، قالَ المُحقِّقُ محمودُ شاكر (ت: ١٤١٨): «وأتجنَّبُ ما أخافُ مِنْ الخطأِ والزَّللِ في كتابٍ قالَ فيه أبو عمر الزاهدُ غلامُ ثعلبَ .. ، وأنّى لِمِثلي أن يُحقِّقَ كلمةَ أبي عمرَ في كتابِ أبي جعفرَ» (٤)، ونحنُ أَوْلى بذلك منهم .


(١) تاريخ بغداد ٢/ ٥٥٠.
(٢) جامع البيان ١/ ٧. وقد بلغَت صفحاتُ تفسيرِ (جامعِ البيانِ) -في طبعةِ دار هجر- قرابةَ (١٨٠٠٠) صفحة، في (٢٤) مجلداً، وهذا عُشرُ ما عزمَ ابن جريرٍ (ت: ٣١٠) على تأليفِه، وقد كانَ سيبلغُ تفسيرُه لولا الاختصار قرابةَ (١٨٠٠٠٠) صفحة، في نحوِ (٢٤٠) مجلداً، بمتوسط (٧٥٠) صفحة في المجلَّدِ الواحدِ!. وممّا أفادَه هذا الخبرُ أيضاً في تأريخِ الكتابةِ العربيّةِ أنّ الورقةَ الواحدةَ في عصرِ كتابةِ تفسيرِ ابن جريرٍ (ت: ٣١٠) تعدلُ ستَّ صفحاتٍ في وقتنا هذا.
(٣) معجم الأدباء ٦/ ٢٤٥٣.
(٤) جامع البيان، ١/ ١٢ طبعة/ شاكر.

<<  <   >  >>