للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٣ - ما نعلمُه مِنْ عنايةِ اللغوييّن والمُفسّرين وعامَّةِ العلماءِ بتفسيرِ ابنِ جريرٍ (ت: ٣١٠) منذُ عصرِ مؤلِّفِه، وعلى مرِّ العصورِ، ولو كانَ قد وقعَ شيءٌ مِنْ ذلك لنبَّهوا إليه، وتداعَوا إلى إصلاحِه، على عادةِ العلماءِ في مِثلِه.

رابعها: تحديدُ الإطارِ المكاني لمَن يُحتجُّ بكلامِهم مِنْ العربِ، وقد اعتمَدَ أئمَّةُ اللُّغةِ لتحديدِ ذلك على المستوى الذي عدّوه فصيحاً مِنْ الكلامِ؛ فقبلوا مِمَّنْ لم تفسُدْ لُغتُهم، وطرحوا مِنْ اللهجاتِ ما خالفَ مقاييسَ الفصحى المُشتركةِ. ومِن ثَمَّ كثُرَ الأخذُ عن القبائلِ التي عاشَت في وسطِ جزيرةِ العربِ وشرقيِّها؛ لعُزلَتِهم، وقِلَّةِ اختلاطِهم بغيرِهم مِنْ الأمَمِ، ممّا دخلَ على العربيَّةِ بالفسادِ، ولهذا المعنى عقدَ ابنُ جنّي (ت: ٣٩٢) باباً في خصائِصِه بعنوانِ: (ترك الأخذِ عن أهلِ المَدَرِ كما أُخِذَ عن أهلِ الوَبَرِ)، قالَ فيه: «علَّةُ امتناعِ ذلك ما عرضَ للُغاتِ الحاضِرةِ وأهلِ المدَرِ مِنْ الاختلالِ والفسادِ والخَطَلِ، ولو عُلِمَ أنَّ أهلَ مدينةٍ باقون على فصاحتِهم، ولم يعترِضْ شيءٌ مِنْ الفسادِ للُغتَهم، لوَجبَ الأخذُ عنهم كما يُؤخذُ عن أهلِ الوبَرِ. وكذلك أيضاً لو فشا في أهلِ الوبَرِ ما شاعَ في لغةِ أهلِ المدَرِ مِنْ اضطرابِ الألسنةِ وخبالِها، وانتقاضِ عادةِ الفصاحةِ وانتشارِها، لوجبَ رفضُ لُغتِها، وتركِ تلقّي ما يردُ عنها» (١).


(١) الخصائص ١/ ٣٩٣. وقد أحصى صاحبُ كتابِ: الشَّاهد الشّعري في تفسير القرآن الكريم (ص: ٤٥٠) قبائلَ شُعراءِ الشَّواهدِ عند المُفسّرين، ورتَّبَ القبائلَ بحسبِ كثرةِ شواهدِ شُعرائِها في كتبِ التفسيرِ، فجاءَ في الخمسةِ الأوَلِ: تميم، ثُمَّ كِنانة، ثُمَّ بكر، ثُمَّ الأزْدُ، ثُمَّ هُذَيل.

<<  <   >  >>