للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وسببُ قِلَّةِ النَّقلِ عن بعضِ القبائلِ المشهورةِ بالفصاحةِ؛ كقرَيِشٍ، وأزْدِ السَّراةِ، وبَجيلةَ، وثَقيفٍ؛ لا لعدمِ صِحَّةِ الاحتجاجِ بكلامِها، كيفَ وهي مِنْ أعلى القبائلِ فصاحةً باتِّفاقٍ (١)! وإنَّما لقلَّةِ شُعراءِها، أو لذهابِ شعرِ كثيرٍ مِنْ شُعرائِها وعدمِ حفظِه (٢)؛ وعُظمُ ما يُستشهدُ به مِنْ الشِّعرِ. كما أنَّ لبُعدِها عن مركزَيْ نقلَةِ اللُّغةِ: البصرةِ والكوفةِ. سببٌ في قِلَّةِ النَّقلِ عنها، قالَ السيوطيّ (ت: ٩١١): «والذي نقلَ اللُّغةَ واللسانَ العربيَّ عن هؤلاءِ، وأَثْبَتَها في كتابٍ، وصَيَّرَها عِلماً وصِناعةً = هُمْ أهلُ الكوفةِ والبصرةِ فقط، مِنْ بَيْن أمصارِ العربِ» (٣).

ولم أجِدْ لاختلافِ القبائلِ، ومواقِعِها أثرٌ في استشهادِ ابنِ جريرٍ (ت: ٣١٠) بكلامِها، وإنَّما كانَ المعيارُ عندَه: مستوى الفصاحةِ، وجودةَ اللُّغةِ، واشتهارَها. فقد استشهدَ بنثرِ وشعرِ عامَّةِ قبائِلِ العربِ، ولم يُقدِّمْ مِنها قبيلةً على أخرى، إلا ما قدَّمته الفصاحةُ، وشَهدَ له شاهدُ الشُّهرةِ والكَثرَةِ، وعامَّةُ الأمثلةِ فيما سبقَ مِنْ كلامِه شواهدُ على ذلك. (٤)

سابعاً: مِنْ مصادرِ اللُّغةِ التي استفادَ مِنها ابنُ جريرٍ (ت: ٣١٠) كثيراً: أقوالُ السَّلفِ. وذلك مِنْ أظهرِ ما تميَّزَ به هذا التَّفسيرُ عن كثيرٍ مِنْ كُتبِ اللُّغةِ والمعاني، وقد أعانَه على ذلك ما ضمَّنَه تفسيرَه مِنْ آلافِ


(١) ينظر: الفاضل، للمُبرِّد (ص: ١١٣)، والعمدة، لابن رشيق ١/ ٨٨.
(٢) ينظر: الشعر والشعراء (ص: ٦٠).
(٣) الاقتراح في أصول النحو ١/ ٥٣٩. وينظر: ضوابط الفكر النحوي ١/ ٢٣٤.
(٤) وينظر: جامع البيان ٢/ ٦٩٣، ٦/ ٥٨٠، ١٠/ ٨٠. والشاهد الشِّعري في تفسير القرآن (ص: ١١٥).

<<  <   >  >>