للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جنّي (ت: ٣٩٢) إلى مثلِ هذا المعنى في قولِه عن تأويلٍ لابنِ عباسٍ استَغربَ ظاهرَه: «ينبغي أن يُحسَنَ الظَّنُّ بابنِ عباسٍ، فيُقالُ: إنَّه أعلمُ بلُغةِ القَومِ مِنْ كثيرٍ مِنْ عُلمائِهم» (١).

ويُنبَّه هنا إلى أنَّ بعضَ المعاني التي يذكُرُها أهلُ اللُّغةِ صحيحةٌ على مُقتضى كلامِ العربِ، لكنَّ الأصلَ الذي سارَ عليه ابنُ جريرٍ (ت: ٣١٠) في تفسيرِه أنَّه: ما كُلُّ ما صَحَّ لُغةً صَحَّ تفسيراً. إذْ إنَّ معرفةَ معنى اللفظِ لُغةً أُولى مراحلِ بيانِ المعنى، وليستْ آخرَها، فثمَّةَ أدلَّةٌ يتحدَّدُ بها المعنى المُرادَ غيرَ دليلِ اللُّغةِ؛ مِنْ أجلِّها: أقوالُ السَّلفِ. (٢)

والاستشهادُ بأقوالِ السَّلفِ في قضايا اللُّغةِ هو المُطابقُ لأصولِ الاستدلالِ في اللُّغةِ على ما سبقَ تقريرُه، قالَ ابنُ عاشور (ت: ١٣٩٣): «ويدخلُ في مادَّةِ الاستعمالِ العربيِّ ما يُؤْثرُ عن بعضِ السَّلفِ في فهمِ معاني بعضِ الآياتِ على قوانين استعمالِهم» (٣). وإقلالُ أهلِ اللُّغةِ مِنْ الاستشهادِ بها هو مِنْ جِنسِ إقلالِهم النِّسبيِّ مِنْ الاستشهادِ بالحديثِ النَّبويِّ (٤)؛ ولعلَّ مِنْ سببِ ذلك أيضاً انصرافُ هِمَّتِهم إلى التَّلقّي عن الأعرابِ، وتتَبُّعِ القبائلِ والبوادي؛ لجمعِ لُغاتِ أهلِها، وحِفظِها، وتدوينِها، فانشغلوا بذلك عن استخراجِ مِثلِه مِنْ كلامِ السَّلفِ، والذّين قد دُوِّنَتْ كثيرٌ مِنْ أقوالِهم، مع ما لبعضِ أهلِ اللُّغةِ مِنْ الرَّأيِ في الأخذِ عن المُتأخّرين مِنْ العربِ؛ رعايةً للُّغةِ القديمةِ، واهتماماً بها. (٥)


(١) المحتسب ٢/ ٤٠٣.
(٢) سبقَ تفصيلُ ذلك (ص: ٣٣٧). وينظر: ١٨/ ١٨، ١٩، ٢٤/ ٢٧.
(٣) التحرير والتنوير ١/ ٢٣.
(٤) سبقت الإشارةُ إلى ذلك (ص: ٣٧٠).
(٥) سبقت الإشارةُ إلى ذلك قريباً (ص: ٣٨٠)، حاشية (٧).

<<  <   >  >>