للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وممّا يدلُّ على عنايةِ ابنِ جريرٍ (ت: ٣١٠) بأقوالِ السَّلفِ في قضايا اللُّغةِ، ما سبقَ بيانُه مِنْ اهتمامِه بتمييزِ تفسيرِ السَّلفِ على اللَّفظِ، وتفسيرِهم على المعنى (١)؛ وذلك لتصحيحِ الاستدلالِ بما قالوه على جهةِ بيانِ المعنى اللَّفظيِّ في لُغةِ العربِ، وحمايةِ ما قالوه على خلافِ ذلك مِنْ الوجوهِ؛ كيلا يُساء فهمُه، أو يتسارعُ قليلُ المعرفةِ بمنزلتِهم وعلمِهم، فيُخطِئَهم فيما كانوا به أعلمَ، وله أحفظَ.

ثامناً: يعتني ابنُ جريرٍ (ت: ٣١٠) برواياتِ الأبياتِ، ويُنبِّه إلى الاختلافِ فيها عند الاستشهادِ؛ لِما لذلك مِنْ الأثرِ على صِحَّةِ الاستدلالِ بالشّاهدِ، فقد يكونُ الشَّاهدُ في روايةٍ دون أُخرى، وقد تترجَّحُ إحداهُما على الأُخرى، ورُبَّما دخلَ بعضَ الرِّواياتِ الصُّنعُ والتَّعديلُ لمقصدٍ مِنْ المقاصدِ.

وقد علَّلَ أهلُ اللُّغةِ تعدُّدَ رواياتِ الأبياتِ بجُملةٍ مِنْ العِللِ (٢)؛ تتلخَّصُ فيما يأتي:

١ - اعتمادُ الأعرابِ والرُّواةِ على المشافهةِ في النَّقلِ، وكلٌّ يتكلَّمُ على مُقتضى سجيَّتِه التي فُطِرَ عليها، ولا ضيرَ في ذلك إذ القائلُ والنَّاقلُ حُجَّةٌ.

٢ - احتمالُ أن يكونَ الشَّاعرُ أنشدَه على كلا الوَجهَيْن، مرَّةً هكذا، ومرَّةً هكذا (٣)، وقد أرجعَ الشّاطبيُّ (ت: ٧٩٠) ذلك إلى المعهودِ عن


(١) في (ص: ٦٣). وينظر: جامع البيان ٧/ ١٠٩، ١٢/ ٢٤١، ١٣/ ١٢٥.
(٢) ينظر: شرح أبيات سيبويه ٢/ ٩٦، والاقتراح في أصول النحو ١/ ٦٢٤، وضوابط الفكر النحوي ١/ ٤٠١.
(٣) ينظر مثالُه في: جامع البيان ١٢/ ٤٥.

<<  <   >  >>