للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العربِ مِنْ العنايةِ بالمعاني بالقَصْدِ الأوَّلِ، ثُمَّ إصلاحُ الألفاظِ بحسبِها، فقالَ بعد أن ذكرَ أمثلةً لتغييرِ الشُّعراءِ لألفاظٍ في أبياتِهم: «وقد جاءَتْ أشعارُهم على رواياتٍ مُختلفةٍ، وبألفاظٍ مُتباينةٍ، يُعلَمُ مِنْ مجموعِها أنَّهم كانوا لا يلتزِمون لفظاً واحداً على الخُصوصِ بحيث يُعدُّ مُرادِفُه أو مُقارِبُه عيباً أو ضَعفاً، إلا في مواضِعَ مخصوصةٍ لا يكونُ ما سِواه مِنْ المواضِعِ محمولاً عليها، وإنَّما معهودُها الغالبُ ما تقدَّمَ» (١).

٣ - أخذُ الشُّعراءِ بعضُهم مِنْ بعضِ، وهذا أمرٌ معروفٌ موجودٌ، وربَّما أورثَ هذا الاشتباهُ اللَّبسَ لدى الرُّواةِ، وبَّما اختلفَ به المعنى أو الإعرابُ.

والأصلُ العامُّ عند أهلِ اللُّغةِ: قبولُ كُلِّ الرِّواياتِ التي وردَت عن العربِ والرُّواةِ الثِّقاتِ. فالرِّواياتُ لا تتدافعُ، ولا تُرَدُّ روايةٌ بروايةٍ إذا ثبَتَتا عن ثِقَةٍ (٢)، قالَ أبو علي الفارسيّ (ت: ٣٧٧): «إذا اختلفت الرِّوايةُ، وكانَ أحدُ الفريقَيْن أضْبطَ، وعضدَ الضَّبطَ والثَّبَتَ القياسُ وموافقةُ الأشْباهِ = كانَ الأخذُ بما جمعَ هذين الوصفَيْن أَوْلى وأَرْجحَ» (٣).

وابنُ جريرٍ (ت: ٣١٠) في استشهادِه بالأبياتِ على المعاني لم يُغفِلْ ما يعرضُ لبعضِها مِنْ الاختلافِ؛ بل يعتني بذكرِ رواياتِها، ويُبيِّنُ وجهَ اختلافِ المعاني باختِلافِها، وما لا يؤَثِّرُ فيه الاختلافُ، ويقدِّمُ مِنها ما


(١) الموافقات ٢/ ١٣٤.
(٢) ينظر: شرح الجُمل (ص: ٨٦٥)، والاقتراح في أصول النحو ١/ ٦٤٢، وفيض نشر الانشراح ١/ ٥١٦.
(٣) الحجَّةُ للقراءِ السّبعةِ ١/ ٢٨٩.

<<  <   >  >>