للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مضى أنَّه إذا كانَ مُطلقاً بغيرِ صِلَةٍ بشيءٍ، أنَّ الأغلبَ مِنْ استعمالِ العربِ إيّاه في الجِهادِ والغَزْوِ؛ فإذْ كانَ ذلك هو الأغلبَ مِنْ المعاني فيه، وكانَ جلَّ ثناؤُه قالَ ﴿فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ﴾ [التوبة: ١٢٢]، عُلِمَ أنَّ قولَه ﴿لِيَتَفَقَّهُوا﴾ [التوبة: ١٢٢] إنَّما هو شرطٌ للنَّفْرِ لا لغَيرِه،؛ إذْ كانَ يليه دون غيرِه مِنْ الكلامِ» (١).

وقد نصَّ ابنُ جريرٍ (ت: ٣١٠) على أنَّ لتقديمِ الأشهرِ الأغلبِ مِنْ أدلَّةِ اللُّغةِ عِلَلٌ تقتضيهِ، وذلك في قولِه: «إنَّ التَّأويلَ مصروفٌ إلى الأغلبِ مِنْ استعمالِ المُخاطَبين بالتَّنزيلِ، ما لم يأتِ دليلٌ يجِبُ مِنْ أجلِه صرْفُه إلى غيرِ ذلك؛ لعلَلٍ قد بيَّنّاها في غيرِ موضِعٍ» (٢)، وقد ظهرَ لي مِنْ تلك العِلَلِ ثلاثٌ:

أوَّلُها: وهو أظهرُ تلك العِلَلِ؛ ما ذكرَه في قولِه: «كتابُ الله تعالى نزلَ بأفصحِ لُغاتِ العربِ، وغيرُ جائزٍ توجيهُ شيءٍ مِنه إلى الشَّاذِّ مِنْ لُغاتِها وله في الأفصحِ الأشهرِ معنىً مفهومٌ، ووَجهٌ معروفٌ» (٣).

ثانيها: أنَّ الإفهامَ إنَّما يكونُ بما يفهمُه عامَّةُ العربِ؛ وهو الأشهرُ الأعرفُ الأفصحُ مِنْ كلامِها، وذلك ما نصَّ عليه بقولِه -بعد أن قرَّرَ وجوبَ الأخْذِ بالأشهرِ الأغلبِ-: «ذلك أنَّه جلَّ ثناؤُه إنَّما خاطبَهم بما خاطبَهم به؛ لإفهامِهم معنى ما خاطبَهم به» (٤).


(١) جامع البيان ١٢/ ٨٤. وينظر: ٦/ ٣٣٧، ٧/ ١٦١، ٩/ ١٢٤، ١١/ ٤٨٧، ٢٢/ ٣٦١، ٢٤/ ٢٧، ١٣٧.
(٢) جامع البيان ١٥/ ٣٦٦.
(٣) جامع البيان ١٠/ ٨٠. وينظر: ١/ ٣٠٩، ٧/ ٦٨٤.
(٤) جامع البيان ١٢/ ٤٠٧.

<<  <   >  >>