للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومِن هنا شابَهَتْ أحوالُ النُّزولِ السّياقَ؛ إذْ كلاهما يعيِّنان المُرادَ، ويُضيفان قُيوداً على مُطلَقِ المعنى اللُّغويِّ، ويمنعان العمومَ عند عدمِ القرائنِ، ويدفعان الشُّبهَ والإشكالاتِ عن المعاني (١)، ومِن ثَمَّ كانَت قِسماً مِنْ أقسامِ السّياقِ في استعمالاتِ أهلِ المعاني والبيانِ (٢).

خامساً: اعتمادُ السَّلفِ على أحوالِ النُّزولِ في بيانِ المعاني، والاستدلالِ لها، وذلك مِنهم هديٌ عامٌّ لا يُعرَفُ عنهم فيه خِلافٌ، ومِن نُصوصِهم في أهميَّةِ ذلك قَولُ ابنِ مسعودٍ : «والذي لا إله غيرُه ما نزلتْ آيةٌ من كتابِ الله إلّا وأنا أعلمُ فيمَ نزَلَتْ؟ وأينَ نزَلَتْ؟ ولو أعلمُ مكانَ أحدٍ أعلَمَ مِنّي بكتابِ الله تبلُغُه الإبلُ لأَتيتُه» (٣)، قالَ الشّاطبيُّ (ت: ٧٩٠): «وهذا يُشيرُ إلى أنَّ عِلمَ الأسبابِ مِنْ العلومِ التي يكونُ العالمُ بها عالِماً بالقُرآنِ. وعن الحسنِ أنَّه قالَ: ما أنزلَ الله آيةً إلا وهو يُحِبُّ أن يُعلَمَ فيمَ أُنزِلَتْ؟ وماذا أرادَ بها. وهو نَصٌّ في المَوضِعِ، مُشيرٌ إلى التَّحريضِ على تعلُّمِ عِلمِ الأسبابِ. وعن ابنِ سيرين قالَ: سألتُ عَبيدَةَ عن شَيءٍ مِنْ القُرآنِ، فقالَ: اتَّقِ الله وعليك بالسَّدادِ؛ فقد ذهبَ الذين يعلمون فيمَ أُنْزِلَ القرآنُ» (٤)، ومِن شواهدِ حِرصِهم في هذا البابِ قولُ عكرمة (ت: ١٠٥) في قولِه تعالى ﴿وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [النساء: ١٠٠]: «طلبتُ اسمَ هذا الرَّجلِ أربعَ عشرةَ سنةً حتى


(١) ينظر: ملاك التأويل ١/ ٣٩٩.
(٢) ينظر: دلالة السياق (ص: ١١٣)، ودلالة السياق القرآني وأثرها في التفسير ١/ ٨٨.
(٣) صحيح البخاري ٦/ ١٨٧ (٥٠٠٢)، وصحيح مسلم ٦/ ١٥ (٢٤٦٣).
(٤) الموافقات ٤/ ١٥٣. وينظر: فضائل القرآن، لأبي عُبيد (ص: ٤٢)، وجامع البيان ١/ ٨٠.

<<  <   >  >>