للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كانوا أصحابَ جبالٍ، ألا ترى إلى قولِه ﴿وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ﴾ [النحل: ٨٠]، وما جعلَ لهم مِنْ غيرِ ذلك أعظمُ مِنه وأكثرُ؛ ولكنَّهم كانوا أصحابَ وبَرٍ وشَعَرٍ، ألا ترى إلى قولِه ﴿وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ﴾ [النور: ٤٣]، يُعَجِّبُهم مِنْ ذلك، وما أنزلَ مِنْ الثَّلجِ أعظمُ وأكثرُ؛ ولكنَّهم كانوا لا يُعرَفون به، ألا ترى إلى قولِه ﴿سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾ [النحل: ٨١]، وما تَقي مِنْ البَرْدِ أكثرُ وأعظمُ؛ ولكنَّهم كانوا أصحابَ حَرٍّ» (١).

وعلى هَديِ السَّلفِ في هذا جرى عملُ المُفَسِّرين، وقد نَصَّ بعضُهم على ذلك، فقالَ ابنُ عطيَّة (ت: ٥٤٦) عن تفسيرِه: «وقَصَدتُ أن يكونَ جامِعاً وَجيزاً؛ لا أذكرُ مِنْ القَصَصِ إلا ما لا تنفَكُّ الآيةُ إلا به» (٢)، وقالَ القُرطبي (ت: ٦٧١): «وأُضربُ عن كثيرٍ مِنْ قَصَصِ المُفسِّرين، وأخبارِ المُؤَرِّخين، إلا ما لا بُدَّ مِنه، ولا غِنىً عنه للتَّبيِين» (٣)، وقالَ ابنُ جُزَيّ (ت: ٧٤١): «وأمّا نحنُ فاقتصَرنا في هذا الكِتابِ مِنْ القَصَصِ على ما يتوقَّفُ التَّفسيرُ عليه» (٤)، وقالَ ابنُ سعدي (ت: ١٣٧٦): «فالنَّظرُ لسياقِ الآياتِ، مع العِلمِ بأحوالِ الرَّسولِ وسيرَتِه مع أصحابِه وأعْدائِه وقتَ نُزولِه، مِنْ أعظمِ ما يُعينُ على مَعرِفتِه، وفَهمِ المُرادِ مِنه» (٥).

بل جعلَ بعضُ العُلماءِ أحوالَ النُّزولِ مِنْ معنى علمِ التَّفسيرِ، فقالَ


(١) جامع البيان ١٤/ ٣٢٣.
(٢) المحرر الوجيز ١/ ١٠.
(٣) الجامع لأحكام القرآن ١/ ٨.
(٤) التّسهيل ١/ ١٨.
(٥) تيسير الكريم الرحمن ١/ ١٢.

<<  <   >  >>