للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النَّوعُ الأوّلُ: استدلالُه بالإسرائيليّاتِ لقبولِ المعاني وتصحيحِها، ومِن ذلك قولُه في قولِه تعالى ﴿كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ﴾ [آل عمران: ٩٣]: «وأَولى هذه الأقوالِ بالصَّوابِ قولُ ابنِ عباسٍ الذي رواه الأعمشُ، عن حَبيبٍ، عن سعيدٍ عنه، أنَّ ذلك: العروقُ ولحومُ الإبلِ؛ لأنَّ اليهودَ مُجمِعَةٌ إلى اليومِ على ذلك مِنْ تحريمِهما، كما كانَ عليه مِنْ ذلك أوائلُها» (١)، وخبرُ ابنِ عباسٍ الذي أشارَ إليه فيه قِصَّةُ يعقوبَ في ذلك (٢). وكذلك قولُه: «القَولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤُه ﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ﴾ [البقرة: ١٠٢]. إن قالَ لنا قائِلٌ: وما هذا الكلامُ مِنْ قَولِه ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ﴾ [البقرة: ١٠٢]، ولا خبرَ مضى قبلُ عن أحدٍ أنَّه أضافَ الكفرَ إلى سليمانَ، بل إنَّما ذكرَ اتِّباعَ مَنْ اتَّبعَ مِنْ اليهودِ ما تلَتْه الشَّياطينُ .. ؟ قيلَ: وَجهُ ذلك أنَّ الذين أضافَ الله جلَّ ثناؤُه إليهم اتِّباعَ ما تلَتْه الشَّياطينُ على عهدِ سليمانَ مِنْ السِّحرِ والكُفرِ مِنْ اليهودِ، نَسَبوا ما أضافَه الله تعالى ذِكرُه إلى الشَّياطينِ مِنْ ذلك إلى سليمانَ بن داودَ، وزَعَموا أنَّ ذلك كانَ مِنْ عمَلِه ورِوايتِه، وأنَّه إنَّما كانَ يستَعبِدُ مَنْ كانَ يستَعبِدُ مِنْ الإنسِ والجِنِّ والشَّياطينِ وسائِرِ خَلقِ الله بالسِّحرِ، فحَسَّنوا بذلك -مِنْ رُكوبِهم ما حرَّمَ الله عليهم مِنْ السِّحرِ- لأنفُسِهم عند مَنْ كانَ جاهِلاً بأمرِ الله ونَهيِه، وعند مَنْ كانَ لا عِلمَ له بما أنزلَ الله في ذلك مِنْ التَّوراةِ .. ، فنفَى الله عن سليمانَ أن يكونَ كانَ ساحِراً أو كافراً، وأَعلمَهم أنَّهم اتَّبعوا في عملِهم بالسِّحرِ ما تلَتْه الشَّياطينُ في عهدِ


(١) جامع البيان ٥/ ٥٨٦.
(٢) المرجع السابق.

<<  <   >  >>