للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النَّوعُ الثّاني: استدلالُه بالإسرائيليّاتِ لرَدِّ المعاني وإبطالِها، ومن أمثلَتِه قولُه في قولِه تعالى ﴿إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ﴾ [البقرة: ٢٤٨]: «وأَولى القولَيْن في ذلك بالصَّوابِ ما قالَه ابنُ عباسٍ ووَهبُ بن مُنبِّهٍ؛ مِنْ أنَّ التّابوتَ كانَ عند عَدوٍّ لبَني إسرائيلَ كانَ سلَبَهموه .. ، فإن ظَنَّ ذو غَفلَةٍ أنَّهم كانوا قد عَرَفوا ذلك التّابوتَ وقدرَ نَفعَه وما فيه وهو عند موسى ويُوشَعَ، فإنَّ ذلك ما لا يَخفى خَطؤُه؛ وذلك أنَّه لم يَبلُغنا أنَّ موسى لاقى عَدوّاً قَطُّ بالتّابوتِ، ولا فتاه يوشَعَ، بل الذي يُعرَفُ مِنْ أمرِ موسى وأمرِ فِرْعون ما قَصَّ الله مِنْ شَأنِهما، وكذلك أَمرُه وأمرُ الجَبّارين، وأمّا فتاه يوشَعَ فإنَّ الذين قالوا هذه المَقالةَ زَعموا أنَّ يوشَعَ خَلَّفَ في التَّيْه حتى رُدَّ عليهم حين مَلكَ طالوتُ، فإن كانَ الأمرُ على ما وَصَفوه فأيُّ الأحوالِ للتّابوتِ الحالُ التي عَرَفوه فيها فجازَ أن يُقالَ: إنَّ آيةَ مُلكِه أن يَأتيَكم التّابوتُ الذي قد عَرَفتموه، وعَرَفتم أمرَه؟ وفي فَسادِ هذا القَولِ بالذي ذَكَرنا أبيَنُ الدَّلالةِ على صِحَّةِ القَولِ الآخرِ؛ إذْ لا قَولَ في ذلك لأهلِ التَّأويلِ غيرُهما» (١)، وفي قولِه تعالى ﴿فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ﴾ [يوسف: ٩٩]، ذكرَ قولَ السُّدِّيّ (ت: ١٢٨) في قِصَّةِ دخولِ أبَوَيْ يوسفَ مصرَ، وأنَّه خرجَ لاستقبالِهم. وذكرَ قولَ ابنَ جُرَيْج (ت: ١٥٠) أنَّ ذلك مِنْ المُقدَّمِ والمُؤَخَّرِ، وأنَّ المعنى عنده: سوفَ أستَغفرُ لكم رَبّي إن شاءَ الله، إنَّه هو الغَفورُ الرَّحيمُ، فلمّا دَخلوا على يوسفَ آوى إليه أبَوَيْه وقالَ: ادخُلوا مصرَ. ثُمَّ قالَ ابنُ


(١) جامع البيان ٤/ ٤٦٦.

<<  <   >  >>