للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومِنه أيضاً قولُ ابنِ عباسٍ : «يا معشرَ المسلمين كيف تسألون أهلَ الكتابِ! وكتابُكم الذي أُنزلَ على نبيِّه أحدَثُ الأخبارِ بالله، تَقرؤونَه لم يُشَبْ، وقد حدَّثَكم الله أنَّ أهلَ الكتابِ بدَّلوا ما كتبَ الله، وغيَّروا بأيديهم الكتابَ، فقالوا: هو مِنْ عند الله؛ ليَشتروا به ثَمناً قليلاً، أفلا يَنهاكم ما جاءَكم مِنْ العلمِ عن مُسائَلَتِهم، ولا والله ما رأينا مِنهم رجُلاً قَطُّ يسألُكم عن الذي أُنزلَ عليكم» (١).

الثّاني: ما علِمنا كذبَه بما في شَرعِنا مِمّا يُخالفُه، فهذا باطلٌ مردودٌ.

الثّالثُ: ما لم نعلَمْ صِدقَه ولا كذبَه، فهذا موقوفٌ لا نُصدِّقُه ولا نُكذِّبُه، وتجوزُ حكايَتُه والاعتبارُ به، ويَصِحُّ الاستشهادُ به والاعتضادُ.

وكُلُّ هذا يدُلُّ على مزيدِ عنايةِ الشَّريعةِ بهذا البابِ مِنْ الأخبارِ؛ حيثُ أحاطَت ما يُنقَلُ مِنها بضوابطَ تحفَظُ ما فيها مِنْ الحَقِّ، وتحتاطُ له، وتُبطِلُ ما فيها مِنْ الباطلِ، في غايةٍ مِنْ العدلِ والإنصافِ.

وقد كانَ لتوجيهاتِ الشَّريعةِ تلك أكبرُ الأثرِ في عنايةِ السَّلفِ بمنهجِ الاستدلالِ بالإسرائيليّاتِ في التَّفسيرِ أكثرَ مِنْ غيرِها مِنْ الأخبارِ؛ لمَا أَولاها الشَّرعُ مِنْ الاهتمامِ، فظهرَ في نقلِهم التَّحرّي، وسُؤالُ مَنْ أسلمَ مِنْ أهلِ الكتابِ، ومَن اشتهرَ بالعلمِ مِنهم على الخُصوصِ، والنَّقلُ


(١) صحيح البخاري ٣/ ١٨١. وينظر: تلخيص كتاب الاستغاثة ١/ ٥٦، ٢/ ٥٨١، والبداية والنهاية ١/ ٢٩.

<<  <   >  >>