للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأوَّلُ: ما علِمنا صِحَّتَه بشهادةِ شَرعِنا له بالصِّدقِ، وأصَحُّه ما جاءَ في كتابِ الله عنهم؛ ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ﴾ [الكهف: ١٣]، ﴿كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ﴾ [طه: ٩٩]، ومثلُه ما ذكرَه عنهم رسولُ الله . فهذا القِسمُ لازِمُ القَبولِ، مع الاستِغناءِ بما وردَ في شريعتِنا عنه، وإلى هذا أرشدَ القرآنُ فقال تعالى بعد ذِكرِ عِدَّةِ أصحابِ الكهفِ مؤَدِّباً نبيَّه بذلك: ﴿وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا﴾ [الكهف: ٢٢]، أي: بعد ما جاءَك مِنْ خبرِهم في كتابِ الله. واستمعَ لحبرٍ مِنْ أحبارِ اليهودِ قالَ له: «يا مُحمَّد، إنّا نجدُ أنَّ الله يجعلُ السَّماواتِ على إصبعٍ، والأرضين على إصبعٍ، والشَّجرَ على إصبعٍ، والماءَ على إصبعٍ، والثَّرى على إصبعٍ، وسائرَ الخلائقِ على إصبعٍ، فيقولُ: أنا المَلكُ. فضَحكَ رسولُ الله حتى بدَتْ نواجِذُه؛ تصديقاً لقولِ الحَبْر، ثُمَّ قرأَ رسولُ الله : ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾ [الزُّمَر: ٦٧]» (١). ومِن هذا البابِ أيضاً إنكارُ رسولِ الله على عمرَ بن الخطّابِ حين رأى معه صُحُفاً مِنْ التَّوراةِ، بقولِه: «أمُتهوِّكونَ (٢) فيها يا ابنَ الخطَّابِ، والذي نفسي بيَدِه لقد جِئتُكم بها بيضاءَ نقيَّةً .. ، والذي نفسي بيَدِه لو أنَّ موسى كانَ حيّاً ما وَسِعَه إلا أن يتَّبعَني» (٣)،


(١) أخرجَه البخاري في صحيحه ٦/ ١٢٦ (٤٨١١)، ومسلم في صحيحه ٤/ ٢١٤٧ (٢٧٨٦).
(٢) قالَ البَغَويّ (ت: ٥١٦): «أي: مُتحيِّرون أنتم في الإسلامِ، لا تعرِفون دينَكم حتى تأخذوه مِنْ اليهودِ والنَّصارى». شرح السُّنَّة ١/ ٢٧٠، وقالَ ابنُ الأثير (ت: ٦٠٦): «التَّهوُّك كالتَّهوُّر، وهو الوقوعُ في الأمر بغيرِ رَويَّةٍ .. ، وقيلَ: هو التحَيُّر». النهاية ٥/ ٢٤٣.
(٣) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه ٥/ ٣١٢ (٢٦٤٢١)، وأحمد في مسنده ٢٣/ ٣٤٩ (١٥١٥٦)، وابن أبي عاصم في السنّة ١/ ٦٧ (٥٠)، وله طرق كثيرة، ذكرَها ابنُ حجر (ت: ٨٥٢)، ثم قالَ: «وهذه جميع طرق هذا الحديث، وهي وإن لم يكُن فيها ما يُحتَجُّ به لكنَّ مجموعُها يقتضي أنَّ لها أصلاً» فتح الباري ١٣/ ٥٣٥.

<<  <   >  >>