للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الأنبياء: ٧١]: «وإنَّما اختَرنا ما اختَرنا مِنْ القَولِ في ذلك لأنَّه لا خِلافَ بين جميعِ أهلِ العلمِ أنَّ هِجرَةَ إبراهيمَ مِنْ العراقِ كانَت إلى الشَّامِ، وبها كانَ مُقامُه أيّامَ حياتِه، وإن كانَ قد كانَ قَدِمَ مكَّةَ، وبَنى بها البَيتَ، وأسْكنَها إسماعيلَ ابنَه مع أُمِّه هاجرَ، غيرَ أنَّه لم يُقِمْ بها، ولم يتَّخِذها وَطناً لِنَفسِه، ولا لوطٌ» (١).

ثالثاً: كيف يُميَّزُ الخبرُ الإسرائيليّ مِنْ جُملَةِ الأخبارِ؟

إنَّ مِمّا يُشكِلُ في بابِ الاستدلالِ بالإسرائيليّاتِ ما يحصلُ مِنْ التَّداخلِ في بعضِ هذه الأخبارِ بين أن تكونَ مِنْ الغَيبِ الذي سَمِعَه الصَّحابيُّ مِنْ النَّبيِّ ولم يَنسُبه إليه، أو تكونَ مِنْ الغَيبِ الذي نَقلَه عن بني إسرائيلَ مِنْ غيرِ نسبتِه إليهم. ولِحَلِّ هذا الإشكالِ ذكرَ بعضُ العلماءِ مِنْ شروطِ الحُكمِ بالرَّفعِ للخبرِ الغَيْبيِّ الموقوفِ على الصَّحابيّ: ألّا يكونَ راويه مِمَّنْ عُرِفَ بالأَخذِ عن بني إسرائيلَ (٢). والصَّوابُ عدمُ اعتِبارِ هذا الشَّرطِ؛ لأمرَيْن (٣):

١ - أنَّ مقامَ الصَّحابةِ لا يَحتمِلُه؛ إذ لا يصحُّ اعتقادُ أن يروي الصَّحابيُّ خبراً غيبيّاً جازِماً به، مُعتمِداً عليه، مِنْ غيرِ طريقِ النَّبيِّ ، وهم مِنْ أبصرِ النّاسِ بحدودِ ما أباحَهُ الشَّرعُ مِمّا يُروى عن بني إسرائيلَ، وأنَّه للاستشهادِ لا للجَزمِ والاعتقادِ، قالَ ابنُ


(١) جامع البيان ١٦/ ٣١٥. وينظر: ٨/ ٣١٤، ٩/ ٣٨٣، ٣٨٥، ١٥/ ١٦١، ١٨/ ٣١٠.
(٢) ينظر: النُّكتُ على كتاب ابن الصّلاحِ ٢/ ٥٣٢.
(٣) ينظر: فتح المغيث ١/ ٢٢٩، وما لَه حُكمُ الرَّفع من أقوالِ الصَّحابة وأفعالِهم (ص: ٦٤، ٧٦).

<<  <   >  >>