للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فذلك ما لا يجوزُ أن يوصَفَ به أهلُ الإيمانِ بالله، فكيف الأنبياءُ والمُرسلون؟ أم كانَ ذلك مِنه استِنكاراً لقُدرَةِ رَبِّه، فذلك أعظمُ في البَليَّةِ؟ قيل: كانَ ذلك مِنه على غيرِ ما ظنَنتَ، بل كانَ قِيلُه ما قالَ مِنْ ذلك كما حدَّثني» (١)، ثُمَّ ذكرَ خبراً فيه سببُ ذلك عن السُّدّي (ت: ١٢٨)، وعكرمةَ (ت: ١٠٥)، ثُمَّ جمعَ ذلك بقولِه: «فكانَ قَولُه ما قالَ مِنْ ذلك، ومراجعَتُه ربَّه فيما راجعَ فيه بقولِه: ﴿أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ﴾ [آل عمران: ٤٠]؛ للوسوسَةِ التي خالَطَت قلبَه مِنْ الشَّيطانِ، حتى خيَّلَت إليه أنَّ النِداءَ الذي سَمعَه كانَ نداءً مِنْ غيرِ الملائكةِ، فقالَ: ﴿رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ﴾ [آل عمران: ٤٠]. مُستَثْبِتاً في أمرِه، ليتقرَّرَ عنده بآيةٍ، يُريه الله في ذلك أنَّه بشارَةٌ مِنْ الله على ألسُنِ ملائكتِه، ولذلك قالَ: ﴿رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً﴾ [آل عمران: ٤١]» (٢).

وأغراضُ الاستدلالِ بالإسرائيليّاتِ هذه مِنْ جِنسِ أغراضِ الاستدلالِ بأحوالِ النُّزولِ، وفيها بيانٌ لبعضِ مقاصدِ الشَّريعةِ مِنْ إباحةِ التَّحديثِ بتلك الأخبارِ عن بني إسرائيلَ، وبيانُ وَجهِ عنايةِ السَّلفِ والمُفسِّرين بها في سياقِ تفسيرِ كلامِ الله ﷿.

خامساً: بالتأمُّلِ في أغراضِ الاستدلالِ بالإسرائيليّاتِ السّابقةِ نجِدُ أنَّها لا تُؤَسِّسُ المعنى -غالباً- بل تُثَبِّتُه وتوضِّحُه، وذلك مِنْ جُملَةِ معنى التَّفسيرِ وغرضِ المُفَسِّرِ على ما سبقَ بيانُه، ومَن جعلَ مِنْ الأئِمَّةِ


(١) جامع البيان ٥/ ٣٨٢. وينظر: ١/ ٤٦٠، ٤٦١، ٦٧٩، ٢/ ٣٢٢.
(٢) جامع البيان ٥/ ٣٨٢. وينظر: ١/ ٤٦٠، ٤٦١، ٦٧٩، ٢/ ٣٢٢. وينظر تعليقاتُ المُحقِّقِ محمود شاكر (ت: ١٤١٨) في طبعتِه لجامع البيان ١/ ٤٥٣، ٤٥٨، ٤٦٢.

<<  <   >  >>