للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النَّفسُ مَيّالةٌ إلى استقصاءِ ما طُويَ مِنْ تلك القَصَصِ والأخبارِ وتتبُّعِ دقائقِها، والمقامُ لا يقتضيه، ولا يُطلَبُ مِثلُ ذلك مِنْ كُتبِ التَّفسيرِ، قالَ ابنُ جُزَيّ (ت: ٧٤١): «وأما القَصَصُ فهي مِنْ جُملَةِ العلومِ التي تَضَمَّنَها القرآنُ، فلا بُدَّ مِنْ تفسيرِه، إلا أنَّ الضَّروريَّ مِنه ما يتوقَّفُ التَّفسيرُ عليه، وما سِوى ذلك زائِدٌ مُستَغنىً عنه» (١). (٢)

ولذلك يُشيرُ ابنُ جريرٍ (ت: ٣١٠) إلى الغرضِ مِنْ ذكرِ القِصَّةِ، والمَقصدِ مِنها، أثناءَ تعرُّضِه إلى بعضِ ذلك الاختلافِ؛ ليُنبِّه إلى عدمِ الاشتغالِ بما لا أثرَ له في تحقيقِ ذلك المَقصدِ، ويستدلُّ على ذلك بأنَّ الله تعالى لم يَنصِب دلالةً على شَيءٍ مِمّا وقعَ فيه الاختلافُ؛ لو كانَ شيئاً مِنه مَقصوداً، ومِن ذلك قولُه في قولِه تعالى ﴿أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ [البقرة: ٢٥٩]: «ولا بيانَ عندنا مِنْ الوَجه الذي يَصِحُّ مِنْ قِبَلِه البيانُ عن اسمِ قائِلِ ذلك، وجائزٌ أن يكونَ عُزَيْراً، وجائزٌ أن يكونَ إرْمِيا، ولا حاجةَ بنا إلى معرِفةِ اسمِه؛ إذْ لم يكُن المُقصودُ بالآيةِ تعريفَ الخَلقِ اسمَ قائِلِ ذلك، وإنَّما المَقصودُ بها تعريفُ المُنكرين قُدرةَ الله على إحيائِه خلقَه بعد مماتِهم .. ، ولو كانَ المَقصودُ بذلك الخبرَ عن اسمِ قائِلِ ذلك لكانَت الدَّلالَةُ مَنصوبةً عليه نَصباً يَقطَعُ العُذرَ، ويُزيلُ الشَّكَّ، ولكنَّ القَصدَ كانَ إلى ذَمِّ


(١) التّسهيل ١/ ١٧. وينظر: تفسير ابن كثير ٩/ ٤١١، ١٣/ ١٨٠.
(٢) وبالغَفلةِ عن هذَيْن الأمرَيْن ظَهرَ الخَلَلُ في بعضِ كُتُبِ التَّفسيرِ؛ فاجتهدَ بعضُهم في إخلاءِ تَفسيرِه مِنْ تلك الأخبارِ جُملةً؛ وشَحنَ بها آخرون تفاسيرَهم، ومقامُ العَدلِ والإنصافِ فيما بينهما؛ فلا تُؤخَذُ جُملةً، ولا تُرفَضُ جُملةً كذلك، بل يُؤخَذُ مِنها ويُترَكُ ما دعَت إليها الحاجةُ.

<<  <   >  >>