للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثالثَ عشَرَ: لا تُردُّ الأخبارُ الإسرائيليّةُ إلا بالدَّليلِ المُعتبَرِ؛ لا بالتَّشَهّي، ولا بما يُظَنُّ دليلاً، وعلى هذا سارَ ابنُ جريرٍ (ت: ٣١٠) في تفسيرِه، بل نَصَّ على معنى ذلك في قولِه عند قولِه تعالى ﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ﴾ [البقرة: ٢٤٨]: «جائزٌ أن تكونَ تلك البَقيَّةُ العصا، وكِسَرَ الألواحِ، والتَّوراةَ، أو بعضَها والنَّعلَيْن، والثّيابَ، والجهادَ في سبيلِ الله. وجائزٌ أن يكونَ بعضَ ذلك، وذلك أمرٌ لا يُدرَكُ عِلمُه مِنْ جِهةِ الاستِخراجِ ولا اللُّغةِ، ولا يُدرَكُ عِلمُ ذلك إلا بخبَرٍ يُوجِبُ عنه العِلمَ، ولا خبرَ عند أهلِ الإسلامِ في ذلك للصِّفةِ التي وصَفْنا، وإذْ كانَ كذلك فغيرُ جائزٍ فيه تَصويبُ قَولٍ وتَضعيفُ آخرَ غيرِه، إذْ كانَ جائزاً فيه ما قُلنا مِنْ القَولِ» (١).

وفي هذا السّياقِ يُبيِّنُ ابنُ جريرٍ (ت: ٣١٠) أنَّ ردَّ بعضِهم لبعضِ الأخبارِ الإسرائيليّةِ لا وجهَ له -وعلى الأخَصِّ إن شَهِدَ لها شاهِدٌ-، وإنَّما مَبعَثُه الرَّأيُ بلا حُجَّةٍ مُعتبَرَةٍ، والجَهلُ بقَدرِ أقوالِ السَّلفِ، ومِن ذلك قولُه عند قولِه تعالى ﴿فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي﴾ [الأنعام: ٧٦]: «وأنكرَ قَومٌ مِنْ غيرِ أهلِ الرِّوايةِ هذا القَولَ الذي رُويَ عن ابنِ عباسٍ، وعمَّن رُويَ عنه؛ مِنْ أنَّ إبراهيمَ قالَ للكوكبِ أو القمرِ: ﴿هَذَا رَبِّي﴾ [الأنعام: ٧٦] (٢). وقالوا: غيرُ جائزٍ أن يكونَ لله نبيٌّ ابتَعثَه بالرِّسالةِ، أتى عليه وَقتٌ مِنْ الأوقاتِ وهو بالِغٌ إلّا وهو لله


(١) جامع البيان ٤/ ٤٧٧.
(٢) أي على ظاهرِ اللَّفظِ، والذي أيَّدَه بتفاصيلِ الخبرِ الإسرائيليِّ، كما ذكرَه عنهم في ٩/ ٣٥٦.

<<  <   >  >>