للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كانَ، ولا صَحَّ عن رسولِ الله بأيِّ ذلك كانَ خبرٌ فنُسلِّمَ له. فالصَّوابُ أن نقولَ فيه كما قالَ الله جلَّ ثناؤُه ﴿وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ﴾ [الأعراف: ١٣٤]. فلا نتعدّاه إلّا بالبَيانِ الذي لا تمانُعَ فيه بين أهلِ التأويلِ» (١).

ومَنهجُ ابنِ جريرٍ (ت: ٣١٠) في هذا مِمّا نبَّهَ إليه القُرآنُ في مِثلِ ذلك (٢)؛ ففي قولِه تعالى ﴿سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ﴾ [الكهف: ٢٢]، إباحةٌ لحكايةِ خلافِهم فيما اختلَفوا فيه مِنْ ذلك. ثُمَّ في قولِه تعالى بعد ذلك ﴿قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ﴾ [الكهف: ٢٢]، رَدُّ العلمِ إلى عالِمِه سُبحانَه، وعدمُ الجَزمِ بما يترجَّحُ عندك مِنْ أخبارِهم، أو الجَزمُ ببُطلانِ غيرِ ما ترجِّحُه بلا بَيِّنةٍ. كما أفادَ قولُه تعالى لنَبيِّه عن عِدَّةِ أصحابِ الكَهفِ: ﴿فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا﴾ [الكهف: ٢٢]، فلا يَصِحُّ المِراءُ فيما تخالَفَ مِنْ تلك الأخبارِ مِمّا لم يَأتِ به دليلُ النَّقلِ الثّابتِ، ولا يُقدَّمُ قولٌ مِنها أو يؤَخَّرُ آخرُ بغيرِ دليلٍ، وإلّا كانَ مِراءً مَذموماً.

وصنيعُ ابنِ جريرٍ (ت: ٣١٠) هذا يُفيدُ أنَّ ما اجتمعَت عليه تلك الأخبارُ أقوى وأقربُ مِمَّا سواه، وذلك صَحيحٌ، وليست قوَّتُها مِنْ قبيلِ قوَّةِ المُرسلِ إذا تعدَّدت طُرُقُه مِنْ غيرِ مواطَأةٍ أو اتِّفاقٍ؛ لأنَّ مُنتهاها لا يُقطَعُ بصِحَّةِ خبرِه مهما تعدَّدَت الطُّرقُ إليه، ولكنَّ قوَّتَها في معنى قبولِ السَّلفِ لمعناها، حين تتوارَدُ بها أقوالُهم، وتُكرِّرُها رواياتُهم. وكذلك في صِحَّةِ نَقلِها عن السَّلفِ جُملةً، ولهذا ميزتُه التي ذكرناها سابقاً.


(١) جامع البيان ١٠/ ٤٠١. وينظر: ١/ ٦٩٧، ٢/ ٨١، ٤/ ٤٧٢، ٤٧٧، ١٠/ ١٣٥، ١٨/ ٣٢.
(٢) ينظر: جامع البيان ١٥/ ٢١٨ - ٢٢٢، ومجموع الفتاوى ١٣/ ٣٦٧.

<<  <   >  >>