للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويتعلَّقُ بهذا التَّقسيمِ مسائلُ:

الأولى: أنَّ هذا التَّقسيمَ صحيحٌ موجودٌ، ومُعتبرٌ عند جماهيرِ العُلماءِ، وقد أشارَ إلى بعضِ معناه قولُه تعالى ﴿قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ﴾ [الأنعام: ١٤٩]، قالَ ابنُ جريرٍ (ت: ٣١٠): «ويعني بالبالِغةِ: أنَّها تبلغُ مُرادَه في ثُبوتِها على مَنْ احتجَّ بها عليه مِنْ خَلقِه، وقَطعِ عُذرِه إذا انتهَت إليه فيما جُعلَت حُجَّةً فيه» (١)، كما نصَّ عليه أهلُ العلمِ في كثيرٍ مِنْ كلامِهم، ومِنه قولُ الشّافعي (ت: ٢٠٤): «العلمُ عِلمان: علمُ عامَّةٍ لا يسَعُ بالِغاً غيرَ مَغلوبٍ على عَقلِه جَهلُه .. ، مثلُ: الصَّلواتِ الخَمسِ، وأنَّ لله على النّاسِ صومَ شهرِ رمضان، وحجَّ البيتِ إذا استطاعوه .. ، وهذا الصِّنفُ كُلُّه مِنْ العلمِ موجودٌ نَصّاً في كتابِ الله، وموجوداً عامّاً عند أهلِ الإسلامِ، يَنقُلُه عوامُّهم عمَّن مضى مِنْ عوامِّهم، يَحكونَه عن رسولِ الله، ولا يتنازَعون في حِكايتِه ولا وجوبِه عليهم؛ وهذا العلمُ العامُّ الذي لا يُمكنُ فيه الغَلَطُ مِنْ الخبرِ، ولا التأويلُ، ولا يَجوزُ فيه التَّنازعُ» (٢)، ثُمَّ قالَ عن الوَجهِ الثّاني: «ما ينوبُ العبادَ مِنْ فروعِ الفرائضِ، وما يُخَصُّ به مِنْ الأحكامِ وغيرِها، مِمّا ليس فيه نصُّ كتابٍ، ولا في أكثرِه نَصُّ سُنَّةٍ، وإن كانَت في شيءٍ مِنه سُنَّةٌ فإنَّما هي مِنْ أخبارِ الخاصَّةِ لا أخبارِ العامَّةِ، وما كانَ مِنه يحتملُ التأويلَ ويُستَدرَكُ قياساً» (٣)، وقالَ ابنُ تيميّة (ت: ٧٢٨): «الصَّحيحُ أنَّ المسائلَ تنقسِمُ إلى ما يُقطَعُ مِنه بالإصابةِ، وإلى ما لا ندري أصابَ الحَقَّ أم أخطأَ، بحسبِ


(١) جامع البيان ٩/ ٦٥٣. وينظر: الجامع لأحكام القرآن ٩/ ١٠٢، وتفسير ابن كثير ٣/ ٧.
(٢) الرِّسالة (ص: ٣٥٧).
(٣) الرِّسالة (ص: ٣٥٩). وينظر: التقريب والإرشاد ١/ ٢٢١.

<<  <   >  >>