للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأدلَّةِ، وظُهورِ الحُكمِ للمُناظِرِ، ولا أظنُّ يُخالفُ في هذا مَنْ فَهِمَه» (١)، وقالَ ابنُ القيِّم (ت: ٧٥١): «إن ألفاظَ القرآنِ والسُّنَّةِ ثلاثةُ أقسامٍ: نُصوصً لا تحتملُ إلّا معنىً واحداً. وظواهِرُ تحتملُ غيرَ معناها احتمالاً بعيداً مَرجوحاً. وألفاظٌ تحتاجُ إلى بيانٍ، فهي بدون البيانِ عُرضةٌ للاحتمالِ» (٢)، وقالَ الشّاطبي (ت: ٧٩٠): «كلُّ دليلٍ شَرعيٍّ إمّا أن يكونَ قَطعيّاً أو ظَنيّاً» (٣).

وهذا المَذهبُ الحَقُّ وسطٌ بين مَنْ يَنفي الظَّنَّ في الأدلَّةِ الشَّرعيَّةِ، ويرى أنَّ جميعَها قطعيٌّ، وما لا يُفيدُ العلمَ القَطعيَّ فليس مِنها؛ كبعضِ المُعتزلةِ والإماميَّةِ والظّاهريَّةِ (٤)، وبين مَنْ يَنفي القَطعَ عن الأدلَّةِ الشَّرعيَّةِ السَّمعيَّةِ، ويرى أنَّ جميعَها ظَنّيٌّ، وليس فيها ما يُفيدُ القطعَ مُطلقاً؛ وهو مَنسوبٌ لبعضِ المُتكلِّمين (٥). والصَّوابُ «أنَّ الأدلَّةَ السَّمعيَّةَ (النَّقليَّةَ اللفظيَّةَ) مِنها القَطعيُّ الذي يُفيدُ اليَقينَ ولا مجالَ فيه للاحتمالاتِ، بل يحتَفُّ به ما يَدفعُها، ويَسلمُ الدَّليلُ خالِصاً للقَطعيَّةِ، وأنَّ القَولَ بأنَّ الأدلَّةَ السَّمعيَّةَ كلَّها ظنّيَّةٌ، والقَولَ بأنَّها كلَّها قَطعيَّةٌ = قولان ضَعيفان» (٦).

وهذا التَّفاوتُ في دلالةِ الأدلَّةِ على المعاني في القوّةِ والوضوحِ موجودٌ وظاهرٌ عند ابنِ جرير (ت: ٣١٠) في تفسيرِه، فمن الأدلَّةِ ما يصِفُه


(١) المسودة ٢/ ٩٠٧. وينظر: مجموع الفتاوى ١١/ ٣٣٥، ١٣/ ١١٨.
(٢) الصواعق المرسلة ٢/ ٦٧٠.
(٣) الموافقات ٣/ ١٨٤.
(٤) ينظر: الإحكام، لابن حزم ١/ ١٧٠، وشرح مختصر الروضة ٣/ ٦٠٣.
(٥) ينظر: الصواعق المرسلة ٢/ ٦٣٣، وشرح الكوكب المنير ١/ ٢٩٢.
(٦) القطعيَّة من الأدلة الأربعة (ص: ٨١)، وينظر: القطع والظَّنُّ عند الأصوليين ١/ ١٥٨.

<<  <   >  >>