للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثُمَّ يُعقِبُ ابنُ جرير (ت: ٣١٠) ذلك بدليلِ الشَّرعِ؛ وما فيه مِنْ نقلٍ للمعنى اللغويِّ، أو تخصيصٍ، وهذا المُستوى مِنْ البيانِ هو خاصَّةُ أهلِ التأويلِ؛ ممَّن جمعوا العلمَ بكلامِ العربِ، ونصوصِ الشَّرعِ وأحكامِه. ومِنه قولُه في الوجهِ الثّاني مِنْ وجوهِ تأويلِ القرآنِ: «ما خَصَّ اللهُ بعِلمِ تأويلِه نبيَّه دونَ سائِرِ أُمَّتِه؛ وهو ما فيه ممَّا بعبادِه إلى عِلمِ تأويلِه الحاجَةُ. فلا سبيلَ لهم إلى عِلمِ ذلك إلا ببيانِ الرسولِ لهُم تأويلَه» (١).

ثُمَّ يُتبِعُ ذلك بأدلَّةِ العَقلِ والنَّظرِ، وما فيها مِنْ تأكيدٍ للمعنى الشَّرعيِّ، أو تبيِينٍ للمعنى اللغويِّ، أو تخصيصٍ، أو إبطالٍ لبعضِ المعاني.

كما أنَّ فائدةَ ذلك التَّرتيبِ تظهرُ في أنَّ المعنى إذا بطلَ بدليلِ اللُّغةِ فلا حاجةَ للبَحثِ عمّا يُصحِّحُه في أدلَّةِ النَّقلِ؛ إذْ لا يأتي النَّقلُ بتَصحيحِ معنىً لا تَعرفُه العربُ في كلامِها، وكذا إذا بطلَ المعنى بدليلِ النَّقلِ فلا حاجةَ للبَحثِ عن تَصحيحِه بأدلَّةِ العقلِ؛ إذْ لا يأتي العقلُ بما يُخالفُ الشَّرعَ أو ما اعتبرَه الشَّرعُ مِنْ الأدلَّةِ؛ إذا وقعَ الاستدلالُ بها على الوَجه المُعتبرِ.

ومِن أمثلةِ مَنهجِ ابنِ جريرٍ (ت: ٣١٠) في ترتيبِ الأدلَّةِ على ذلك النَّحوِ قولُه عند قولِه تعالى ﴿لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ﴾ [الشعراء: ٣]: «والبَخْعُ هو: القتلُ والإهلاكُ في كلامِ العرب، ومِنه قولُ ذي الرُّمَّةِ (٢):

ألا أيُّهذا الباخِعُ الوَجدُ نفسَه … لشيءٍ نَحَتْهُ عن يَديكَ المقادِرُ


(١) جامع البيان ١/ ٨٨.
(٢) سبقَ تخريجُ البَيْتِ (ص: ١٤٩).

<<  <   >  >>