للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبنحوِ الذي قُلنا في ذلك قالَ أهلُ التأويلِ» (١)، وقولُه في قولِه تعالى ﴿يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ﴾ [ق: ٣٠]، فبعد أن ذكرَ القَولَيْن فيها: أنَّها بمعنى النَّفي: ما مِنْ مزيدٍ. أو بمعنى: الاستزادةِ. قالَ: «ففي قولِ النَّبيِّ : «لا تزالُ جهنَّمُ تقولُ: هل مِنْ مزيدٍ» (٢) دليلٌ واضِحٌ على أنَّ ذلك بمعنى الاستزادةِ لا بمعنى النَّفيِّ؛ لأنَّ قولَه: «لا تزالُ» دليلٌ على اتِّصالِ قَولٍ بعد قَولٍ» (٣)، فحدَّدَ دليلُ السُّنَّةِ ما هو مُحتمَلٌ لُغةً، ومثلُ ذلك قولُه في قولِه تعالى ﴿فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا﴾ [البقرة: ٦٦]: «وأمّا الذي قالَ في تأويلِ ذلك ﴿فَجَعَلْنَاهَا﴾ [البقرة: ٦٦]: يعني الحيتانَ؛ عقوبةً لما بين يدَيْ الحيتانِ مِنْ ذنوبِ القَوْمِ وما بعدها مِنْ ذُنوبِهم. فإنَّه أبعدَ في الانتزاعِ؛ وذلك أنَّ الحيتانَ لم يَجرِ لها ذِكرٌ فيُقالَ: ﴿فَجَعَلْنَاهَا﴾ [البقرة: ٦٦]. فإن ظَنَّ ظانٌّ أنَّ ذلك جائزٌ وإن لم يكُنْ جرى للحيتانِ ذِكرٌ؛ لأنَّ العربَ قد تَكْني عن الاسمِ ولم يَجرِ له ذِكرٌ، فإنَّ ذلك وإن كانَ كذلك فغيرُ جائزٍ أن يُترَكَ المَفهومُ مِنْ ظاهرِ الكِتابِ -والمَعقولُ به ظاهرٌ في الخِطابِ والتَّنزيلِ- إلى باطِنٍ لا دلالةَ عليه مِنْ ظاهرِ التَّنزيلِ، ولا خبرٍ عن الرَّسولِ مَنقولٍ، ولا فيه مِنْ الحُجَّةِ إجماعٌ مُستفيضٌ» (٤)، فحكَّمَ المَعقولَ فيما هو مُحتمِلٌ لُغةً.


(١) جامع البيان ١٧/ ٥٤٣.
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه ٩/ ١١٧ (٧٣٨٤)، ومسلم في صحيحه ٦/ ٣١١ (٢٨٤٨).
(٣) جامع البيان ٢١/ ٤٤٩.
(٤) جامع البيان ٢/ ٧٢. وينظر: ١/ ٢٢٥، ٩/ ٣٤٥، ١٢/ ١٢١، ١٣/ ٣٣٦، ٤٣٨، ٢٣/ ١٦٤، ٢٤/ ٤٨٩.

<<  <   >  >>