للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كلامِ العربِ يتصرَّفُ على معانٍ، مَرجِعُها إلى: المَنعِ؛ لأنَّ كُلَّ شيءٍ اعترضَ فقد مَنَعَ» (١).

والتَّعارضُ اصطلاحاً: تقابلُ دَليلَيْن على سبيلِ المُمانعةِ (٢).

وهذا التَّعريفُ شاملٌ لما سبقَ مِنْ المعاني اللُّغويَّةِ؛ إذْ فيه دليلان ظاهران، مُتقابلان، يمنعُ أحدُهما الآخرُ في معناه؛ وهذا المَنعُ إن كانَ على سبيلِ التَّناقضِ فهو (التَّعارضُ الكُلّيُّ) الذي لا يُمكنُ الجَمعُ فيه بوَجهٍ مِنْ الوجوهِ، كالتَّعارضِ الحاصلِ في اختلافِ التَّضادِّ؛ حيثُ تتخالفُ مَعاني الأدلَّةِ مِنْ كُلِّ وَجهٍ، ويَلزمُ مِنْ القَولِ بأحدِها إبطالُ الآخرِ، كاختلافِهم في تعيين الذَّبيحِ بين إسحاقَ وإسماعيلَ ابْنَي إبراهيمَ ؛ وذلك في قولِه تعالى ﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ﴾ [الصافات: ١٠٢]، وكاختلافِهم في المُرادِ بالقُرْءِ في قولِه تعالى ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ﴾ [البقرة: ٢٢٨]؛ بين الطُّهرِ والحَيْضِ. (٣)

وإن كانَ التَّعارضُ تمانُعاً لا تناقُضَ فيه بين المَعنيَيْن، ويُمكنُ الجَمعُ بينهما بوَجهٍ مِنْ الوجوهِ، فهو (التَّعارضُ الجُزئيِّ)، كالنّاسخِ والمَنسوخِ (٤)، والعامِّ والخاصِّ، ونحوها، كما في قولِه تعالى


(١) أحكامُ القرآنِ ١/ ٢٢٤.
(٢) ينظر: أصول السَّرخسي ٢/ ١٢، والبحر المحيط في الأصول ٤/ ٤٠٧، وشرح الكوكب المنير ٤/ ٦٠٥.
(٣) ينظر: جامع البيان ٤/ ٨٧، ١٩/ ٥٨٧، واقتضاء الصراط المستقيم ١/ ١٣٤، ومجموع الفتاوى ١٣/ ٣٨١.
(٤) إنَّما لم يكُن تعارضُ النّاسخِ والمَنسوخِ تناقُضاً؛ لاختلافِ زمانِهما، وصِدقِ كُلٍّ مِنهما في وَقتِه. وقد تقرَّرَ أنَّ مِنْ شرطِ التَّناقُضِ اتِّحادَ القضيَّتَيْن في الزَّمانِ وغيرِه. ينظر: معالم أصول الفقه عند أهلِ السُّنة (ص: ٢٧٦).

<<  <   >  >>