للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ﴾ [البقرة: ٢٤٠]، مع قولِه ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾ [البقرة: ٢٣٤]، فمتى أمكنَ حملُ أحدِهما على حالٍ دون حالٍ، أو زمنٍ دون زمنٍ فهو تعارضٌ جُزئيٌّ وليس تناقُضاً. (١)

وقد أطبقَ العلماءُ على أنَّ الأدلَّةَ الشَّرعيَّةَ لا تتعارضُ على الحقيقةِ، وإنَّما يقعُ التَّعارضُ في نظرِ المُجتهدِ؛ بحسبِ مَبلَغِ عِلمِه، وقوَّةِ فَهمِه (٢)، قالَ الشّافعي (ت: ٢٠٤): «لم نجِدْ عنه حديثَيْن مُختلفَيْن إلا ولهما مَخرجٌ، أو على أحدِهما دلالَةٌ بأحدِ ما وصَفتُ؛ إمّا بموافقةِ كتابٍ، أو غيرِه مِنْ سُنَّتِه، أو بعضِ الدَّلايلِ» (٣)، وقالَ ابنُ خُزيمةَ (ت: ٣١١): «لا أعرفُ أنَّه رُويَ عن رسولِ الله حديثان بإسنادَيْن صَحيحَيْن مُتضادّان، فمَن كانَ عنده فليَأتِ به حتى أُؤَلِّفَ بينهما» (٤)، وقالَ ابنُ تيمية (ت: ٧٢٨): «لا يجوزُ أن يوجدَ في الشَّرعِ خبران مُتعارضان مِنْ جميعِ الوُجوهِ، وليس مع أحدِهما ترجيحٌ يُقَدَّمُ به» (٥)، وقالَ الشّاطبي (ت: ٧٩٠): «كلُّ مَنْ تحقَّقَ بأصولِ الشَّريعةِ فأدلَّتُها عنده لا تكادُ تتعارضُ، كما أنَّ كلَّ مَنْ حقَّقَ مناطَ المسائلِ فلا يكادُ يقِفُ في مُتشابِهٍ؛ لأنَّ الشَّريعةَ لا تعارضَ فيها ألبتَّةَ، فالمُتحقِّقُ بها مُتحقِّقٌ بما في نَفسِ الأمرِ، فيَلزمُ أن لا يكونَ عنده تعارضٌ، ولذلك لا


(١) ينظر: جامع البيان ٤/ ٤٠٦، والتمهيد، لابن عبد البَرِّ ١١/ ٣٤٧.
(٢) ينظر: الفقيه والمتفقه ١/ ٥٣٥، وأصول السَّرخسي ٢/ ١٢، وشرح مختصر الروضة ٣/ ٦٨٧.
(٣) الرسالة (ص: ٢١٦). وينظر: البحر المحيط في الأصول ٤/ ٤١١.
(٤) الكفاية في أصول الرواية (ص: ٤٧٣).
(٥) المسودة ١/ ٦٠٠.

<<  <   >  >>