للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تجدُ ألبتَّةَ دليلَيْن أجمعَ المسلمون على تعارضِهما بحيث وجبَ عليهم الوقوفُ، لكن لمّا كانَ أفرادُ المُجتهدين غيرَ معصومين مِنْ الخطَأِ أمكنَ التَّعارضُ بين الأدلَّةِ عندهم» (١).

وبحسبِ ما سبقَ مِنْ تقسيمِ الأدلَّةِ إلى قطعيَّةٍ وظنّيَّةٍ، فإنَّ أنواعَ التَّعارضِ بهذا الاعتبارِ تنقسمُ إلى ثلاثةِ أقسامٍ:

الأوَّلُ: تعارضُ القَطعيِّ مع القَطعيِّ، وهذا مُمتنعٌ عند عامَّةِ العلماءِ، سواءٌ كانا نقليَّيْن أو عقليَّيْن، ونقلَ بعضُهم الاتِّفاقَ عليه؛ لأنَّه لا يُتصوَّرُ وجودُ مَدلولاتِهما عند التَّعارضِ، قالَ ابنُ قدامة (ت: ٦٢٠): «لا يُتصوَّرُ التَّعارضُ في القواطعِ إلا أن يكونَ أحدُهما منسوخاً» (٢)، وقالَ القَرافي (ت: ٦٨٤): «يَمتنعُ التَّرجيحُ في العَقليّاتِ؛ لتعذُّرِ التَّفاوتِ بين القَطعيَّيْن» (٣)، وقالَ ابنُ تيمية (ت: ٧٢٨): «اتَّفقوا على أنَّه لا يجوزُ تعادلُ الأدلَّةِ القَطعيَّةِ؛ لوجوبِ وجودِ مَدلولاتِها، وهو مُحالٌ» (٤)، ومِن ثَمَّ «فلا مدخلَ للتَّرجيحِ في الأدلَّةِ القَطعيَّةِ؛ لأنَّ التَّرجيحَ فَرعُ التَّعارضِ، ولا تعارضَ فيها فلا ترجيحَ» (٥)، فإذا ظهرَ للنّاظرِ تعارضُ دليلَيْن قَطعيَّيْن فالخطأُ مِنْ جِهتِه مِنْ أحدِ وَجهَيْن:


(١) الموافقات ٥/ ٣٤١. وقد فصَّلَ أدلَّةَ ذلك في ٥/ ٥٩.
(٢) نزهة الخاطر العاطر ٢/ ٣٩٤.
(٣) شرح تنقيح الفصول (ص: ٤٢٠).
(٤) المسودة ٢/ ٨٢٥. وينظر: شرح الكوكب المنير ٤/ ٦٠٧، وإرشاد الفحول (ص: ٤٥٧).
(٥) شرح الكوكب المنير ٤/ ٦٠٧. وينظر: شرح المنهاج ٢/ ٧٨٨. وحكى بعضُهم قولاً بإمكانِ تعارضِ القَطعيَّيْن في نَفسِ المُجتهدِ، وليس هذا بخارجٍ عن اتِّفاقِ العلماءِ على عدمِ تعارضِهما في نَفسِ الأمرِ، بل هو بابٌ آخرُ، ومِن ثَمَّ فلا خلافَ. ينظر: القَطعُ والظَّنُّ عند الأصوليِّين ٢/ ٦٤٣.

<<  <   >  >>