للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإنَّما أخَّرَ العلماءُ بحثَ هذا البابِ في كتُبِهم ما أمكنَ؛ لأنَّه لا تعارُضَ في الحقيقةِ بين أدلَّةِ الشَّرعِ، كما سبقَ بيانُه. (١)

أمّا مجالُ الأدلَّةِ التي يصحُّ فيها التَّرجيحُ؛ فإنَّ التَّرجيحَ فرعٌ عن التَّعارضِ، فحيثما وُجدَ التَّعارضُ صحَّ التَّرجيحُ بحسبِ مرتبتِه مِنْ مسالك الجَمعِ، وقد تقرَّرَ سابقاً أن لا تعارضَ بين قَطعيَّيْن، ولا بين قَطعيٍّ وظَنّيٍّ، فانحصرَ مجالُ التَّرجيحِ بين الظَّنّيِّ مِنْ الأدلَّةِ، لم يُخالفْ في ذلك أحدٌ مِنْ الأئِمَّةِ (٢)، قالَ ابنُ تيمية (ت: ٧٢٨): «إذا قيلَ: تعارضَ دليلان. سواءٌ كانا سمعيَّيْن أو عقليَّيْن، أو أحدُهما سمعيّاً والآخرُ عقليّاً، فالواجبُ أن يُقالَ: لا يخلو إمّا أن يكونا قطعيَّيْن، أو يكونا ظنّيَّيْن، وإمّا أن يكونَ أحدُهما قطعيّاً والآخرُ ظنيّاً. فأمّا القطعيان فلا يجوزُ تعارضهما؛ سواءٌ كانا عقليَّيْن أو سمعيَّيْن، أو أحدُهما عقليّاً والآخرُ سمعيّاً، وهذا متفق عليه بين العقلاء .. ، وإن كان أحدُ الدَّليلَيْن المتعارضَيْن قطعيّاً دون الآخرِ فإنَّه يجبُ تقديمُه باتِّفاقِ العقلاءِ، سواءٌ كانَ هو السَّمعيَّ أو العقليَّ .. ، وأمّا إن كانا جميعاً ظنّيَّيْن: فإنَّه يُصارُ إلي طلبِ ترجيحِ أحدِهما، فأيُّهما ترجَّحَ كانَ هو المقدَّمُ، سواءٌ كانَ سمعيّاً أو عقليّاً» (٣).

«ورُجحانُ الدَّليلِ عبارةٌ عن كَونِ الظَّنِّ المُستفادِ مِنه أقوى» (٤)،


(١) ينظر: شرح الكوكب المنير ٤/ ٦١٧.
(٢) ينظر: القَطع والظَّنّ عند الأصوليّين ٢/ ٦٦٠.
(٣) درءُ تعارض العقل والنقل ١/ ٧٨. وينظر: الفقيه والمتفقه ١/ ٥٢٤، والصواعق المرسلة ٣/ ٧٩٧.
(٤) مختصر ابن اللَّحّام (ص: ١٦٨).

<<  <   >  >>