للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وليس ذلك مِنْ اتِّباعِ الظَّنِّ الذي ذَمَّ الله أهلَه بقولِه ﴿إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ﴾ [الأنعام: ١١٦]؛ بل هو اتِّباعٌ للعلمِ الذي رجحَ به الظَّنُّ، وأخذٌ لمَظنونٍ ترجَّحَ بعلمٍ ودليلٍ، «وأمّا الظَّنُّ الذي لا يُعلمُ رُجحانُه فلا يجوزُ اتِّباعُه» (١).

وقد نصَّ العلماءُ على أنَّ التَّرجيحَ إنَّما يُصارُ إليه بعد تعذُّرِ الجَمعِ، وذلك شِبهُ إجماعٍ مِنهم، قال الشَّاطبيُّ (ت: ٧٩٠): «إذا تعارَضَتِ الأدلَّةُ، ولم يظهَرْ في بعضِها نسخٌ، فالواجِبُ التَّرجيحُ، وهو إجماعٌ من الأصوليِّينَ، أو كالإجماعِ» (٢)، وقالَ أيضاً: «إنَّ الأصوليّين اتَّفقوا على إثباتِ التَّرجيحِ بين الأدلَّةِ المُتعارضةِ إذا لم يُمكن الجَمعُ، وأنَّه لا يصحُّ إعمالُ أحدِ دليلَيْن مُتعارضَيْن جِزافاً مِنْ غيرِ نظرٍ في ترجيحِه على الآخرِ» (٣)، وقالَ الشَّوكاني (ت: ١٢٥٠): «مِنْ شروطِ التَّرجيحِ التي لا بُدَّ مِنْ اعتبارِها: أن لا يُمكنَ الجمعُ بين المُتعارضَيْن بوَجهٍ مَقبولٍ، فإن أمكنَ ذلك تعيَّنَ المَصيرُ إليه، ولم يَجُزْ المَصيرُ إلى التَّرجيحِ» (٤)، وقد سبقَ تعليلُ تأخيرِ التَّرجيحِ عن الجَمعِ والنَّسخِ؛ وهو ما فيه مِنْ إهمالِ أحدِ الدَّليلَيْن، إذْ الأصلُ عند كافَّةِ العلماءِ إعمالُ الدَّليلَيْن ما أمكنَ

وفي تقديمِ ابنِ جريرٍ (ت: ٣١٠) للجَمعِ مُطلقاً عند التَّعارضِ ما يُوافقُ قولَ جمهورِ العلماءِ في ترتيبِ الواجبِ عند تَعارضِ الأدلَّةِ؛ بتقديمِ


(١) مجموع الفتاوى ١٣/ ١٢٠.
(٢) الاعتصام (ص: ١٦٦).
(٣) الموافقات ٥/ ٦٣.
(٤) إرشاد الفحول (ص: ٤٥٩).

<<  <   >  >>