للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قولُه تعالى ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ﴾ [الأنعام: ٢٨]، فأخبَرَ اللهُ تعالى ذِكرُه أنَّهم في قِيلِهم ذلك كَذَبَةٌ، والتَّكذيبُ لا يقعُ في التَّمَنِّي، ولكنَّ صاحِبَ هذه المَقالَةِ أظُنُّ به أنَّه لم يتدبَّرِ التأويلَ، ولَزِمَ سَنَنَ العربيَّةِ» (١)، ومثلُه قولُه عند قوله تعالى ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ﴾ [البقرة: ٢٣٣]: «فأمَّا قولُنا: إنَّه دلالَةٌ على الغايةِ التي يُنتَهى إليها في الرضاعِ عند اختلافِ الوالِدَين فيه؛ فلأنَّ اللهَ تعالى ذِكرُه لمَّا حَدَّ في ذلك حدَّاً كانَ غيرَ جائِزٍ أن يكون ما وراءَ حَدِّه موافِقاً في الحُكمِ ما دونَه؛ لأنَّ ذلك لو كانَ كذلك لم يكُن للحَدِّ معنىً معقولٌ. وإذْ كان ذلك كذلك، فلاشَكَّ أنَّ الذي هو دونَ الحَوْلَين مِنْ الأجَلِ لَمَّا كان وقتَ رَضاعٍ كان ما وراءَه غيرَ وقتٍ له؛ وأنَّه وقتٌ لترك الرَّضاع، وأنَّ تمامَ الرَّضاعِ لَمَّا كانَ تمامَ الحَوْلَين؛ وكان التَّمامُ مِنْ الأشياءِ لا معنى للزيادَةِ فيه = كانَ لا معنى للزيادَةِ في الرضاعِ على الحَوْلَين» (٢).

ويُلاحظُ في تلك الأمثلةِ أنَّ ابنَ جريرٍ (ت: ٣١٠) يعتبرُ المُعارضَ الرّاجحَ مِنْ أيِّ قِسْمٍ كانَ من أُصولِ الأدِلَّةِ؛ نقليّاً كان أو عَقليّاً؛ إذْ كلاهما دليلٌ شرعيٌّ مُعتبرٌ.

كما يُلاحظُ أنَّ الأدلَّةَ النَّقليَّةَ مُقدَّمةٌ إجمالاً على الأدلَّةِ العقليَّةِ؛ لأنَّ فيها ما هو حاكمٌ على غيرِه مِنْ الأدلَّةِ، وإنَّما ثبتَت حُجِّيَّةُ الأدلَّةِ العقليَّةِ بها، قالَ الشّاطبي (ت: ٧٩٠): «الأدلَّةُ الشَّرعيَّةُ ضِربان: أحدهما: ما يرجِعُ إلى النَّقلِ المَحضِ. والثّاني: ما يرجِعُ إلى الرَّأيِ المَحضِ. وهذه


(١) جامع البيان ٩/ ٢١٠.
(٢) جامع البيان ٤/ ٢٠٧. وينظر: ١/ ٥٣٤، ٥٦٨، ٩/ ٣٤١، ١٠/ ٧٠، ١٥/ ٥١.

<<  <   >  >>